للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه السادس: أن الشك في الآية ضيق الصدر؛ أي: إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء فاصبر، واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك يخبروك صبر الأنبياء من قبلك على أذى قومهم وكيف عاقبة أمرهم. والشك في اللغة أصله الضيق، يقال: شك الثوب أي: ضمه بخلال حتى يصير كالوعاء، وكذلك السفرة تمد علائقها حتى تنقبض، فالشك يقبض الصدر، ويضمه حتى يضيق (١).

الوجه السابع: هو أن لفظ (إن) في قوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} للنفي أي: ما كنت في شك قبل، يعني: لا نأمرك بالسؤال لأنك شاك، لكن لتزداد يقينًا كما ازداد إبراهيم - عليه السلام - بمعاينة إحياء الموتى يقينًا (٢).

الوجه الثامن: أنه كنى بالشك عن العجب أي: فإن كنت في تعجب من عناد فرعون، ومناسبة المجاز أن التعجب فيه تردد، كما أن الشك تردد بين أمرين (٣).

الوجه التاسع: أن (إن) في هذه الآية ليست التي بمعنى الشرط؛ لأن من المحال العظيم الذي يتمثل في فهم من له مسكة من فهم أن يكون إنسان يدعو إلى دين يقاتل عليه، وينازع فيه أهل الأرض، ويدين به أهل البلاد العظيمة ثم يقول لهم: إني في شك مما أقاتلكم عليه أيها المخالفون، ولست على يقين مما أدعوكم إليه وأحققه لكم أيها التابعون، وإنما معنى (إن) هنا: الجحد، فهي هنا بمعنى: (ما) وهذا المعنى هو أحد موضوعاتها في اللغة العربية، كما قال تعالى آمرًا نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ١٨٨] بمعنى: ما أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون، كما ذكر الله - عز وجل - عن الأنبياء أنهم قالوا: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [إبراهيم: ١١] وكما قال تعالى مخبرًا عن النسوة إذ رأين يوسف - عليه السلام - فقلن: {إِنْ


(١) تفسير القرطبي (٨/ ٣٥٢)، فتح البيان (٦/ ١٢٣).
(٢) تفسير الرازي (١٧/ ١٦٢)، زاد المسير (٤/ ٦٣)، الكشاف (٢/ ٣٧١).
(٣) تفسير البحر المحيط (٣/ ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>