للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: ٣١] بمعنى: ما هذا إلا ملك كريم، وكما قال تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (١٧)} [الأنبياء: ١٧] أي: ما كنا فاعلين، فعلى هذا المعنى خاطب نبيه - صلى الله عليه وسلم -: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك كما قال تعالى: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [يونس: ٩٤] بمعنى: ولا أعدائك الذين يقاتلونك من الذين أوتوا الكتاب من قبلك ما هم أيضًا في شك مما أنزلنا إليك؛ بل هم موقنون بصحة قولك وإنك نبي حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا شك عندهم في أن الذي جاءك الحق، ومثل هذا أيضًا قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: ٤٦] تهوينًا له، وكذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١)} [الزخرف: ٨١] بمعنى: ما كان للرحمن ولد، فأنا أول الجاهدين لا يكون له ولد (١).

الوجه العاشر: أن يكون التقدير أنك لست شاكًا البتة، ولو كنت شاكًا لكان لك طرق كثيرة في إزالة ذلك الشك كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} والمعنى: أنه لو فرض ذلك الممتنع واقعًا لزم منه المحال الفلاني فكذا ها هنا.

ولو فرضنا وقوع هذا الشك فارجع إلى التوراة والإنجيل لتعرف بهما أن هذا الشك زائل، وهذه الشبهة باطلة (٢).

الوجه الحادي عشر: إن كنت في شك أن هذا عادتهم مع الأنبياء؛ فسلهم كيف كان صبر موسى - عليه السلام - حين اختلفوا عليه؟ (٣).

الوجه الثاني عشر: المعنى أن الله - عز وجل - خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك الخطاب شامل للخلق، فالمعنى: إن كنتم في شك فاسألوا، والدليل على ذلك قوله في آخر السورة: {قُلْ يَاأَيُّهَا


(١) رسالة لابن حزم في الرد على ابن الفريلة اليهودي (٣/ ٥٣ - ٥٤).
(٢) تفسير الرازي (١٧/ ١٦٢)، فتح البيان (٦/ ١٢٣).
(٣) البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ١٩١) نقلًا عن الكسائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>