للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤)} [يونس: ١٠٤].

فأعلم أن الله - عز وجل - خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس في شك، وأمره أن يتلو عليهم ذلك، والدليل على أن المخاطبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - مخاطبة للناس قوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} فقال: {طَلَّقْتُمُ} ولفظ أول الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وحده (١).

الوجه الثالث عشر: أن معنى الآية الكريمة: أن الله - تعالى ذكره - يقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: فإن كنت يا محمد في شك من حقيقية ما أخبرناك وأنزل إليك من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في نبوتك قبل أن تبعث رسولًا إلى خلقه؛ لأنهم يجدونك عندهم مكتوبًا، ويعرفونك بالصفة التي أنت بها موصوف في كتابهم في التوراة والإنجيل؛ فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك من أهل التوراة والإنجيل كـ (عبد الله بن سلام) ونحوه من أهل الصدق والإيمان بك منهم دون أهل الكذب والكفر بك منهم. وبهذا المعنى قال ابن عباس، وابن زيد، ومجاهد، والضحاك.

فإن قال قائل: أَوَ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شك من خبر الله أنه حق يقين حتى قيل له: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٩٤)} [يونس: ٩٤]؟

قيل: لا، وبهذا قال جماعة من أهل العلم مثل: سعيد بن جبير، والحسن، وقتادة.

فإن قال: فما وجه مخرج الكلام إذن إن كان الأمر على ما وصفت؟

قيل: قد بينا في غير موضع من كتابنا هذا استجازة العرب قول القائل منهم لمملوكه:


(١) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٣/ ٣٢)، ولكن نقل الرازي في تفسيره عن القاضي ردًا على قول الزجاج السابق فقال (يعني القاضي): هذا بعيد؛ لأنه متى كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - داخلًا تحت هذا الخطاب فقد عاد السؤال، سواءً أريد معه غيره أو لم يرد وإن جاز أن يراد هو مع غيره، فما الذي يمنع أن يراد بانفراده كما يقتضيه الظاهر، تفسير الرازي (١٧/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>