للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن كنت مملوكي فانته إلى أمري، والعبد المأمور بذلك لا يشك سيده القائل له ذلك أنه عبده، كذلك قول الرجل منهم لابنه: إن كنت ابني فَبِرَّنِي، وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه، وإن ذلك من كلامهم صحيح مستفيض فيهم، وذكرنا ذلك بشواهد، وأن منه قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} وقد علم جل ثناؤه أن عيسى لم يقل ذلك، وهذا من ذلك لم يكن - صلى الله عليه وسلم - شاكًا في حقيقة خبر الله وصحته، والله تعالى بذلك من أمره كان عالمًا، ولكنه جل ثناؤه خاطبه خطاب قومه بعضهم بعضًا؛ إذ القرآن بلسانهم نزل (١).

وإذا كان الخطاب لغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فيكون المعنى: أن الناس في زمانه - صلى الله عليه وسلم - كانوا فرقًا ثلاثة: المصدقون به، والمكذبون له، والمتوقفون في أمره الشاكون فيه، فخاطبهم الله تعالى بهذا الخطاب فقال: إن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - فاسأل أهل الكتاب ليدلوك على صحة نبوته، وإنما وجد الله تعالى ذلك وهو يريد الجمع، كما في قوله: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦)} وكقوله: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا}، وقوله: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا} ولم يرد في جميع هذه الآيات إنسانًا بعينه؛ بل المراد هم الجماعة فكذا ههنا، ولما ذكر الله تعالى لهم ما يزيل ذلك الشك عنهم حذرهم من أن يلحقوا بالقسم الثاني وهم المكذبون فقال: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٩٥)} (٢).

* * *


(١) تفسير الطبري (١١/ ١٦٧ - ١٦٩)، المنار (١١/ ٤٨٠).
(٢) تفسير الرازي (١٧/ ١٦٣)، التحرير والتنوير (١٠/ ٢٨٤)، الخازن (٢/ ٤٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>