إرسال بشر ليس معه ملك ظاهر، كما قال تعالى:{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا}[الإسراء: ٩٤] وغيرها من الآيات الكثيرة. . . فأمر الله تعالى بسؤال أهل الكتاب عمن أرسل إليهم أكان بشرًا أم كان ملكًا ليقيم الحجة بذلك على مَنْ أنكر إرسال بشر كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٧) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} [الأنبياء: ٧، ٨].
(ثالثها) أنه أمر بسؤال أهل الكتب عما جرى للرسل مع أممهم، وكيف كان عاقبة المؤمنين بهم، وعاقبة المكذبين لهم.
(رابعها) أنهم يسألون أهل الكتاب عن الدين الذي بعث الله به رسله وهو دين الإسلام الذي اتفقت عليه الرسل، كالأمر بالتوحيد والصدق والعدل، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والنهي عن الشرك، والظلم والفواحش.
(خامسها) أنهم يسألون أهل الكتاب عما وصف به الرسل ربهم، هل هو موافق لما وصفه به محمد - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟
وهذه الأمور المسئول عنها متواترة عند أهل الكتاب معلومة لهم ليست مما يشكون فيه، وليس إذا كان مثل هذا معلومًا لهم بالتواتر فيسألون عنه يجب أن يكون كل ما يقولونه معلومًا لهم بالتواتر.
(سادسها) أنم يسألون أيضًا عما عندهم من البشارات والشهادات بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد أخبر الله بذلك في القرآن فقال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ}[الأعراف: ١٥٧]، وقال تعالى عن مَنْ أثنى عليه من النصارى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣)} [المائدة: ٨٣].