للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما ورد في ذم الشعر والشعراء في القرآن أو في السنة، فإنما يُذَمُّ مَنْ أَسَرَفَ وكَذَبَ، فالغالب أن الشعراء يقولون الكذب، فيقذفون المحصنات، ويهجون الأبرياء، فوقع الذم على الأغلب، واستثنى الله منهم من لا يفعل ذلك، كما في آيات سورة الشعراء. وما ورد في السنة من ذم حفظ الشعر فالمقصود به الإكثار من ذلك حتى يشغله عن القرآن والسنة والتفقه في الدين، أو ما كان فيه تشبيب بالنساء ونحوه.

أما الشعر الذي فيه نصر للحق وأهله، ودفاع عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشرعه، ففيه تنزل نصوص مدح الشعر والشعراء، ومنها دعائه - صلى الله عليه وسلم - لحسان: "يا حسان! أجب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، اللهم أيده بروح القدس" (١).

ودليل ذلك أيضًا ما أخرجه الإمام البخاري عن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن من الشعر حكمة (٢).

قال ابن حجر: قوله: إن من الشعر حكمة؛ أي قولًا صادقًا مطابقًا للحق، وقيل: أصل الحكمة المنع، فالمعنى: أن من الشعر كلاما نافعا يمنع من السفه (٣).

وقال السندي: (من) تبعيضية يريد أن الشعر لا دخل له في الحسن والقبح، ولا يعتبر به حال المعاني في الحسن والقبح، والمدار إنما هو على المعاني لا على كون الكلام نثرًا أو نظمًا، فإنهما كيفيتان لأداء المعنى وطريقان إليه، ولكن المعنى: إن كان حسنًا وحكمة فذلك الشعر حكمة، وإذا كان قبيحًا فذلك الشعر كذلك، وإنما يذم الشعر شرعًا بناء على أنه غالبًا يكون مدحًا لمن لا يستحقه وغير ذلك (٤).

وروى البخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام" (٥).


(١) رواه البخاري (٤٤٢)، مسلم (٢٤٨٥).
(٢) صحيح البخاري (٥٧٩٣).
(٣) فتح الباري ١٠/ ٥٤٠.
(٤) حاشية السندي على سنن ابن ماجه ٧/ ١٥٣.
(٥) الأدب المفرد (٨٦٥)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٤٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>