والثاني: كلام يقال فيكون كما قيل، والأول كلام الصادقين الذين يقولون ما يكون، والآخر كلام الصديقين الذين إذا قالوا شيئًا جعله الله كما قالوه، وكلاهما صادر عن قلب، والكلام الذي يكون بالفم فحسب هو مثل نهيق الحمار، أو نباح الكلب؛ لأن الكلام المعتبر هو الذي يعتمد عليه، والذي لا يكون عن قلب لا اعتماد عليه، والله تعالى ما كرم ابن آدم وفضله على سائر الحيوانات ينبغي أن يحترز من التخلق بأخلاقها، فقول القائل: هذا ابن فلان مع أنه ليس ابنه ليس كلامًا؛ فإن الكلام في الفؤاد وهذا في الفم لا غير، واللطيفة هي أن الله تعالى قال هنا:{ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} وقال في قوله: {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ}(التوبة: ٣٠) يعني نسبة الشخص إلى غير الأب قول لا حقيقة له، ولا يخرج من قلب ولا يدخل أيضًا في قلب فهو قول بالفم مثل أصوات البهائم.
ثم قال تعالى:{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} إشارة إلى معنى لطيف وهو أن العاقل ينبغي أن يكون قوله إما عن عقل، أو عن شرع؛ فإذا قال فلان ابن فلان ينبغي أن يكون عن حقيقة أو يكون عن شرع؛ بأن يكون ابنه شرعًا، وإن لم يعلم الحقيقة كمن تزوج بامرأة فولدت لستة أشهر ولدًا وكانت الزوجة من قبل زوجة شخص آخر يحتمل أن يكون الولد منه فإنا نلحقه بالزوج الثاني لقيام الفراش، ونقول: إنه ابنه، وفي الدعي لم توجد الحقيقة ولا ورد الشرع به؛ لأنه لا يقول إلا الحق وهذا خلاف الحق؛ لأن أباه مشهور ظاهر.
ووجه آخر فيه: وهو أنهم قالوا هذه زوجة الابن فتحرم، وقال الله تعالى هي لك حلال، وقولهم لا اعتبار به؛ فإنه بأفواههم كأصوات البهائم، وقول الله حق فيجب اتباعه وقوله:{وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} يؤكد قوله: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} يعني يجب اتباعه لكونه حقًّا، ولكونه هاديًا.
وقوله تعالى:{ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} فيه لطيفة: وهو أن الكلام الذي بالفم فحسب يشبه صوت البهائم الذي يوجد لا عن قلب، ثم إن الكلام الذي