للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقلب قد يكون حقًّا وقد يكون باطلًا؛ لأن من يقول شيئًا عن اعتقاد قد يكون مطابقًا فيكون حقًّا، وقد لا يكون فيكون باطلًا، فالقول الذي بالقلب وهو المعتبر من أقوالكم قد يكون حقًّا، وقد يكون باطلًا؛ لأنه يتبع الوجود، وقول الله حق؛ لأنه يتبعه الوجود؛ فإنه يقول عما كان أو يقول فيكون؛ فإذن قول الله خير من أقوالكم التي عن قلوبكم، فكيف تكون نسبته إلى أقوالكم التي بأفواهكم؟ ! فإذن لا يجوز أن تأخذوا بقولكم الكاذب اللاغي وتتركوا قول الله الحق فمن يقول بأن تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب لم يكن حسنًا يكون قد ترك قول الله الحق وأخذ بقول خرج عن الفم. (١)

وقال سعيد بن جبير: {يَقُولُ الْحَقَّ} أي العدل وقال قتادة: {وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} أي الصراط المستقيم، وقوله - عز وجل -: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب، وهم الأدعياء، فأمر الله تعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة، وأن هذا هو العدل، والقسط والبر.

عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: إن زيد بن حارثة - رضي الله عنه - مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} (٢) وقد كانوا يعاملونهم معاملة الأبناء من كل وجه في الخلوة بالمحارم وغير ذلك، ولهذا لما نُسخ هذا الحكم أباح تبارك وتعالى زوجة الدعي، وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش - رضي الله عنه - مطلقة زيد بن حارثة - رضي الله عنه - وقال - عز وجل -: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} وقال تبارك وتعالى في آية التحريم: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} احترازًا عن زوجة الدعي؛ فإنه ليس من الصلب؛ فأما الابن من الرضاعة فمنزل منزلة ابن الصلب شرعًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "حرموا من الرضاعة مما يحرم من النسب" (٣).


(١) تفسير الرازي ١٢/ ٣٢٥.
(٢) أخرجه البخاري (٤٥٠٤)، ومسلم (٢٤٢٥).
(٣) أخرجه البخاري (٤٨٢١) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>