للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله - عز وجل -: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} أمر تعالى برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم إن عرفوا؛ فإن لم يعرفوا فهم إخوانهم في الدين ومواليهم؛ أي عوضًا عما فاتهم من النسب، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خرج من مكة عام عمرة القضاء وتبعتهم ابنة حمزة - رضي الله عنها - تنادي: يا عم، يا عم، فأخذها علي - رضي الله عنه - وقال لفاطمة - رضي الله عنها -: دونك ابنة عمك فاحتملتها؛ فاختصم فيها علي وزيد وجعفر - رضي الله عنه - في أيهم يكفلها فكل أدلى بحجة فقال علي - رضي الله عنه -: أنا أحق بها وهي ابنة عمي: وقال زيد: ابنة أخي، وقال جعفر بن أبي طالب: ابنة عمي وخالتها تحتي - يعني أسماء بنت عميس - فقضى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لخالتها وقال: "الخالة بمنزلة الأم"، وقال لعلي - رضي الله عنه -: "أنت مني وأنا منك" وقال لجعفر - رضي الله عنه -: "أشبهت خلقي وخلقي"، وقال لزيد - رضي الله عنه -: "أنت أخونا ومولانا" (١). ففي الحديث أحكام كثيرة من أحسنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - حكم بالحق وأرضى كلًا من المتنازعين وقال لزيد - رضي الله عنه -: "أنت أخونا ومولانا" كما قال تعالى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}.

ثم قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} أي إذا نسبتم بعضهم إلى غير أبيه في الحقيقة خطأ بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع؛ فإن الله تعالى قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه، كما أرشد إليه في قوله تبارك وتعالى آمرًا عباده أن يقولوا: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، وعند مسلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله - عز وجل -: قد فعلت" (٢).

وفي حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر" (٣)، وقال تبارك وتعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب: ٥) أي: وإنما الإثم على من تعمد الباطل؛ كما قال - عز وجل: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}.


(١) أخرجه البخاري (٢٥٥٢).
(٢) أخرجه مسلم (١٢٦) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه البخاري (٦٩١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>