ومن هنا نعلم أن زيدًا ليس ابنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقيقة وقد نسخ التبني فلم يعد ابنًا بالتبني أيضًا.
قال الجزائري: إنه لما أبطل الله التبني وحرمه بقوله: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} وقوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} تبع ذلك أن لا يرث المدعي ممن ادعاه، وأن لا تحرم مطلقته على من تبنَّاه وادعاه، وهكذا بطلت الأحكام التي كانت لازمة للتَّبنِّي، وكون هذا نزل به القرآن ليس من السهل على النفوس التي اعتادت هذه الأحكام في الجاهلية، وصدر الإِسلام أن تتقبلها، وتذعن لها بسهولة، فأراد الله تعالى أن يخرج ذلك لحيز الوجود، فألهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يخطب زينب لمولاه زيد، واستجابت زينب للخطبة فهمًا منها أنها مخطوبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتكون أمّا للمؤمنين؛ ولما تبين لها بعد ليال أنها مخطوبة لزيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست كما فهمت، وهنا أخذتها الحمية وقالت: لن يكون هذا لن تتزوَّج شريفة مولى من موالى الناس ونصرها أخوها على ذلك - وهو عبد الله بن جحش. فنزلت هذه الآية:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ .. }(الأحزاب: ٣٦)، فما كان منها إلا أن قبلت عن رِضَي الزواج من زيد، وتزوجها زيد وبحكم الطباع البشرية فإن زينب لم تخف شرفها على زيد، وأصبحت تترفع عليه الأمر الذي شعر معه زيد بعدم الفائدة من هذا الزواج، فأخذ يستشير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مولاه ويستأذنه في طلاقها والرسول - صلى الله عليه وسلم - يأبى عليه ذلك علمًا منه أنه إذا طلقها سيزوجه الله بها إنهاءً لقضية جعل أحكام الدَّعي كأحكام الولد من الصُّلب، فكان يقول له:"اتق الله يا زيد لا تطلق بغير ضرورة ولا حاجة إلى الطلاق واصبر على ما تجده من امرأتك"، وهنا عاتب رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ربُّه - عز وجل - إذ قال له:{وَإِذْ تَقُولُ} أي: اذكر إذ تقول {لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} أي بنعمة الإِسلام، {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بأن عتقته {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} وهو أمر زواجك منها، {مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} أي: مظهره لا محالة من