ويشركون بالله، ذلك أن من مظاهر طاعتهم له ونتائجها هذا الاتهام لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بالافتراء، إذا نسخ الله - عز وجل - آية من كتابه بآية.
إنه واقع حدث منهم، نتيجة لسلطان الشيطان عليهم، وماذا عسى أن تكون وسوسة الشيطان إلا خطأ وباطلًا وجهلًا؟ غير أنهم بسبب تسلطه غافلون عن هذا كله، فسرعان ما يرمون بالافتراء أصدق الناس وأوثقهم وآمنهم.
ولكن هناك واقعًا آخر كله صدق وحق وحكمة، وهذا الواقع هو النسخ، فقد نسخ الله - عز وجل - من كتابه الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه آيات بآيات أخرى، وكان ذلك لحكمة اقتضته وإن جهلناها نحن أحيانًا غير أن الله - عز وجل - وهو أعلم بما ينزل - يعلمها منذ الأزل، وقد جاء النسخ - حين جاء - تحقيقًا لهذه الحكمة، ولم يكن اعتراضًا عليها.
ونعود لمتابعة السياق مرة أخرى بعد آية التبديل والآية التالية لها - وفيها الرد الذي يجب أن يجابههم به الرسول - فنجد أن الله - عز وجل - يقول: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٠٥) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٦) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (١٠٧)} [النحل: ١٠٣ - ١٠٧].
وفي هذه الآية حكاية لدعواهم الباطلة: أن الذي يعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هم بشر, لكن بطلان هذه الدعوى وكذبها وخطأها - هو أيضًا - واضح شديد الوضوح, فإن الذي ينسبون إليه أنه هو الذي يُعلِّم النبي - صلى الله عليه وسلم - أعجمي اللسان, والقرآن الذي يزعمون أنه من تعليم هذا الأعجمي عربي اللسان, بل هو عربي مبين: في بلاغة, وقوة, وإعجاز. فكيف يصدر مثله عن مثل ذلك الأعجمي؟ .