للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الغاية التي لم يبلغها بشر سواه. من تتبع مجارى أحواله، واطراد سيره، وطالع جوامع كلامه، وحسن شمائله وبدائع سيره، وحكم حديثه، وعلمه بما في التوراة والإنجيل والكتب المنزلة، وحكم الحكماء وسير الأمم الخالية، وأيامها وضرب الأمثال، وسياسات الأنام، وتقرير الشرائع، وتأصيل الآداب النفيسة، والشيم الحميدة، إلى فنون العلوم التي اتخذ أهلها كلامه -صلى الله عليه وسلم- فيها قدوة، وإشاراته حجة، كالعبارة، والطب، والحساب، والفرائض، والنسب، وغير ذلك، دون تعليم ولا مدارسة، ولا مطالعة كتب من تقدم، ولا الجلوس إلى علمائهم؛ بل نبي أمي لم يعرف بشيء من ذلك، حتى شرح الله صدره، وأبان أمره، وعلمه، وأقرأه، لاستيقن بالبرهان القاطع على نبوته، وبحسب عقله كانت معارفه -صلى الله عليه وسلم- إلى سائر ما علمه الله تعالى، وأطلعه عليه من علم ما يكون وما كان، وعجاب قدرته وعظيم ملكوته، قال الله تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} (النساء: ١١٣). (١)

قال القاضي عياض: (٢) وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلا عما فوقه وأثنى الشرع على جميعها وأمر بها ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها ووصف بعضها بأنه من أجزاء النبوة وهي المسماة بحسن الخلق وهو الاعتدال في قوى النفس وأوصافها والتوسط فيها دون الميل إلى منحرف أطرافها، فجميعها قد كانت خلق نبينا -صلى الله عليه وسلم- على الانتهاء في كمالها والاعتدال إلى غايتها حتى أثنى الله عليه بذلك فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} (القلم: ٤). قال -صلى الله عليه وسلم-: "بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ". (٣)، قال أنس -رضي الله عنه-: "كَان رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا". (٤)


(١) من كتاب الشفا بتصرف ١/ ١١٨: ١١٧.
(٢) انظر الشفا ١/ ١١٢.
(٣) صحيح. رواه أحمد ٢/ ٣٨١، والبزار (٢٤٧٠)، والطحاوي في شرح المشكل (٤٤٣٢)، والبيهقي في السنن (١٩٢، ١٩١: ١٠)، وصححه الألباني في الصحيحة (٤٥).
(٤) البخاري (٦٢٠٣)، مسلم (٢١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>