فهو يزيد بها وينقص ويمتد ويقلص، ثم نسخه بها قبضه قبضًا سهلًا يسيرًا غير عسير، ويحتمل أن يريد قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه وهي الأجرام التي تُلقي الظل فيكون قد ذكر إعدامه بإعدام أسبابه، كما ذكر إنشاءه بإنشاء أسبابه (١).
وقال الرازي: أكثر الناس في تأويل هذه الآية، ويُرفع الكلام فيها إلى وجهين:
الأول: أن الظل لا ضوء خالص ولا ظلمة خالصة، وهو ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وكذلك الكيفيات الحاصلة داخل السقف وأبنية الجدارات، وهي أطيب الأحوال؛ لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع وينفر عنها الحس، والضوء الخالص يحير الحس البصري، ويحدث السخونة القوية وهي مؤذية، ولهذا قيل في الجنة:{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}، والناظر إلى الجسم الملون كأنه يشاهد بالظل شيئًا سوى الجسم وسوى اللون، والظل ليس أمرًا ثالثًا؛ ولا معرفة به إلا إذا طلعت الشمس ووقع ضوؤها على الجسم ثم مال عرف للظل وجود وماهية، ولولاها ما عرف؛ لأن الأشياء تدرك بأضدادها، فظهر للعقل أن الظل كيفية زائدة على الجسم واللون ولذلك قال:{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} أي: جعلنا الظل أولًا بما فيه من المنافع واللذات، ثم هدينا العقول إلى معرفة وجوده بأن أطلعنا الشمس فكانت دليلًا على وجود الظل، {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} أي: أزلناه لا دفعة بل {يَسِيرًا} يسيرًا؛ كلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصان الظل من جانب المغرب، ولما كانت الحركات المكانية لا توجد دفعة بل يسيرًا يسيرًا كان زوال الأظلال كذلك.
والثاني: أنه لما خلق السماء والأرض، وقع السماء على الأرض فجعل الشمس دليلًا؛ لأنه بحسب حركات الأضواء تتحرك الأظلال، فهما متعاقبان متلازمان لا واسطة بينهما، فبمقدار ما يزداد أحدهما ينقص الآخر، فكما أن المهتدي يقتدي بالهادي والدليل ويلازمه فكذلك الأظلال ملازمة للأضواء؛ ولذلك جعل الشمس دليلًا عليه (اهـ. وهو مأخوذ من كلام الزمخشري).