الأول: صحيح أن الصديق والفاروق، وذا النورين، وأبا الحسن - رضي الله عنهم - سبقوا أبا هريرة في صحبتهم وإسلامهم، ولم يُرو عنهم مثل ما رُوي عن أبي هريرة، إلا أن هؤلاء اهتموا بأمور الدولة وسياسة الحكم، وأنفذوا العلماء والقراء والقضاة إلى البلدان فأدوا الأمانة التي حملوها، كما أدى هؤلاء الأمانة في توجيه شئون الأمة، فكما لا نلوم خالد بن الوليد - رضي الله عنه - على قلة حديثه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لانشغاله بالفتوحات.
لا نلوم أبا هريرة - رضي الله عنه - على كثرة حديثه لانشغاله بالعلم، وهل لأحد أن يلوم عثمان - رضي الله عنه - أو عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -؛ لأنهما لم يحملا لواء الفتوحات، فكلٌ ميسرٌ لما خُلق له.
الثاني: انصراف أبي هريرة - رضي الله عنه - إلى العلم والتعليم، واعتزاله السياسة، واحتياج الناس إليه لامتداد عمره يجعل الموازنة بينه وبين غيره من الصحابة السابقين أو الخلفاء الراشدين غير صحيحة، بل ذات خطأ كبير. وما رددنا به بالنسبة لمقارنته بالخلفاء الراشدين يُرد بالنسبة لمقارنته بالسيدة عائشة - رضي الله عنها - ونضيف أن السيدة عائشة كانت تفتي للناس في دارها، وأما أبو هريرة - رضي الله عنه - فقد اتخذ حلقةً له في المسجد النبوي، بصفته رجلًا كثير الغدو والرواح، وأضيف إلى هذا أن السيدة جُل همها موجهًا نحو نساء المؤمنين، وكان يتعذر دخول كل إنسان عليها.
وأما الحسنان فهما من صغار الصحابة، وقد اشتغلا في الأمور السياسية، فبديهي أن تكون مروياتهما قليلة، ومثل هذا يقال في سيدة نساء العالمين أمهما التي تُوفيت بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بستة شهور.
فالأمر ليس مهولًا يحتاج إلى تفكير أرباب العقول، ثم إن نظرة مجردة عن الهوى تدرك أن ما رُوي عن أبي هريرة من الأحاديث لا يثير العجب والدهشة، ولا يحتاج إلى هذا الشغب الذي اصطنعه أهل الأهواء وأعداء السنن، وأن ما رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواء سمعه منه أو من الصحابة لا يشك فيه لقصر صحبته، بل إن صحبته تحتمل أكثر من هذا، لأنها كانت أعظم