للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: ١٤٣] (١).

قال النووي: إذا ألهم الله عز وجل الناس الثناء عليه استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء، لأن شهادته كانت لا تجوز عليه في الدنيا، وإن كان عدلًا للعداوة، والبشر غير معصومين وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنتم شهداء الله" ولو كان لا ينفعه ذلك إلا أن تكون أعماله تقتضيه لم يكن للثناء فائدة، وقد أثبت النبي له فائدة (٢).

ثم إن ثناء الناس بالخير أو الشر هو بمشيئة الله تبارك وتعالى كما ذكرنا في كلام النووي سابقًا.

وكذلك جعل الله عز وجل الملائكة شهداء في السماء كما جعل له شهداء في الأرض.

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدًا نادي جبريل: إن الله قد أحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض". (٣)

فعلى هذا الحديث تكون شهادة الناس للإنسان بالخير أو الشر بالقبول الذي يوضع له في الأرض أو بالنفرة وعدم القبول الذي يوضع له في الأرض.

قال النووي: ومعنى يوضع له القبول في الأرض: أي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه فتميل إليه القلوب وترضى عنه. (٤)

والشهادة بالخير لها أسباب:

أولها: رحمة الله عز وجل بالمشهود له من الناس.


(١) فتح الباري ٣/ ٢٣١ بتصرف يسير.
(٢) شرح النووي ٤/ ٢٤، ومعني هذا الكلام أن لثناء الناس على الميت فائدة ولو كانت أعماله فقط هي التي تنفعه، لم يكن للثناء فائدة، وقد أثبت الحديث فائدته، فقال: "أنتم شهداء الله في الأرض" فقد يكون عبدًا مقصرًا بينه وبين ربه، لكن يشاء الله له المغفرة فيلهم الله الناس عند موته الثناء عليه، فيكون من أهل الجنة بمشيئة الله له أولا، ثم بثناء الناس عليه.
(٣) البخاري (٦٩٣١)، مسلم (٢٦٣٧)، وزاد مسلم (وإذا أبغض عبدًا. . .).
(٤) شرح النووي ١٦/ ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>