ولقد أطلق الإسلام للمرأة حرية التصرف في هذه الأمور بالشكل الذي تريده، دون أية قيود تقيد حريتها في التصرف، سوى القيد الذي يقيد الرجل نفسه فيها، ألا وهو قيد المبدأ العام: أن لا تصدم الحرية بالحق، أو الخير.
فلها أن تملك الضياع، والدور، وسائر أصناف المال بكافة أسباب التملك، ولها أن تمارس التجارة، وسائر تصرفات الكسب المباح، ولها أن تضمن غيرها، وأن يضمنها غيرها، وأن تهب الهبات، وأن توصي لمن تشاء من غير ورثتها، وأن تخاصم غيرها إلى القضاء لها أن تفعل ذلك ونحوه بنفسها، أو بمن توكله عنها باختيارها.
ويعلق الإمام محمد عبده على ذلك بقوله: هذه الدرجة التي رفع اللَّه النساء إليها لم يرفعهن إليها دين سابق، ولا شريعة من الشرائع، بل لم تصل إليها أمة من أمم قبل الإسلام ولا بعده، وهذه الأمم الأوربية التي كان من تقدمها في الحضارة أن بالغت في احترام النساء، وتكريمهن، وعنيت بتربيتهن، وتعليمهن الفنون والعلوم، لا تزال دون هذه الدرجة التي رفع الإسلام النساء إليها، ولا تزال قوانين بعضها تمنع المرأة من حق التصرف في مالها بدون إذن زوجها، وغير ذلك من الحقوق التي منحتها إياها الشريعة الإسلامية من نحو ثلاثة عشر قرنًا ونصف قرن، وقد كان النساء في أوربا منذ خمسين سنة بمنزلة الأرقاء في كل شيء، كما كن في عهد الجاهلية عند العرب، بل أسوأ حالًا. . إلى أن قال:(وقد صار هؤلاء الإفرنج الذين قصرت مدنيتهم عن شريعتنا في إعلاء شأن النساء ويفخرون علينا، بل يرموننا بالجهل في معاملة النساء، ويزعم الجاهلون منهم أن ما نحن عليه هو أثر ديننا (١).
ومن المعلوم أن الأمم القديمة لم تكن تعترف للمرأة بأي أهلية، ومن ثم فلم تكن تتمتع بأي من الحقوق المدنية. . وإذا كانت تلك الأمم ترى أن الرجل هو المالك لشخص المرأة، وأن بوسعه أن يفعل بها ما يشاء، فإنَّ من الطبيعي أن ترى أن العبد أو المستعبد، وما ملكت يداه ملك لسيده.