ومما لا شك فيه أن عصر آباء الكنيسة قد عرف مشاكل تتعلق بنقد النصوص إذ أننا نجد أن القديس أوغسطين يتحدث عن إحدى هذه المشكلات في خطابه رقم (٨٢) وعلى وجه الخصوص نجد ذلك في الفقرة التالية من هذا الخطاب إذ يقول فيها القديس أوغسطين ما نصه كما يلي: (إن الكتب المقدسة المعروفة باعتبار أنها وحدها هي الكتب القانونية هي الكتب التي تعلمت أن أوليها التفاتًا واحترامًا، وأعتقد أن محرريها لم يرتكبوا أي أخطاء في تحريرها. وعندما أصادف في أحدها كلامًا مناقضًا للحقيقة لا يخالجني أي شك في أن خطأ ما قد اعترى النسخة التي أجدها في يدي أو أن المترجم لم يكن دقيقًا أمينًا في الترجمة أو أن القصور إنما هو في قدرتي أنا على الفهم).
لم يكن من المعقول في نظر القديس أوغسطين القبول بأن النصوص المقدسة تحتوي على أخطاء.
كان القديس أوغسطين يؤمن تمامًا بعقيدة (عصمة النصوص المقدسة من الخطأ)، ولكنه كان يقر أيضًا ويعترف أيضًا بوجود أخطاء ومتناقضات في النصوص المقدسة، فيرجعها إلى أسباب إنسانية محضة.
وهذا المنحنى الذي نحاه القديس أوغسطين إنما هو منحى إنسان مؤمن يتمتع بحاسة نقدية سليمة في الوقت نفسه.
وفي عصر القديس أوغسطين لم تكن حقائق العالم من الوضوح والذيوع بحيث يظهر تناقضها مع نصوص الكتاب المقدس. وكانت رؤية مرنة واسعة الأفق مثل رؤيته لمبررات عدم المعقولية في بعض النصوص المقدسة كافية لتبرير وتسطيح كثير من المشكلات التي تثار في أيامنا الراهنة عند مقابلة بعض نصوص التوراة بحقائق العلم. (١)
ولا يزال مفسرو الكتاب المقدس في أيامنا الراهنة يجتهدون في الدفاع عن نصوص التوراة أمام أي اتهام بالخطأ.
(١) التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث صـ ٧٥.