للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هلكوا، وإن لم يرزقهم هلكوا، وإن لم يغفر لهم ويرحمهم هلكوا وخسروا، ولهذا قال أبوهم آدم وأمهم حواء: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} (١).

ولا يخاف أن يحمل عليه من سيئات غيره، ولا ينقص من حسناته ما يتحمل، فهذا هو العقول من الظلم ومن عدم خوفه، وقوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} فلما نفى الظلم عن نفسه وأثبته لهم دل على أن الظلم المنفي أن يعذبهم بغير جرم، وأنه إنما عذبهم بجرمهم وظلمهم، ولا تحتمل الآية غير هذا، وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}.

ولا ريب أن هذا مذكور في سياق التحريض على الأعمال الصالحة والاستكثار منها، فإن صاحبها يجزي بها ولا ينقص منها بذرة، قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، فأخبر أنه ليس على أحد في وزر غيره شيء، وأنه لا يستحق إلا ما سعاه وأن هذا هو العدل الذي نزه نفسه عن خلافه.

فالنصوص تقتضى كمال عدله وحكمته وغناه، ووضعه العقوبة والثواب مواضعهما، وأنه لا يعدل بهما عن سننهما، وأنه لو عذَّب أهل سماواته وأرضه لكان ذلك تعذيبًا محقه عليهم، وكانوا إذ ذاك مستحقين للعذاب؛ لأن أعمالهم لا تفي بنجاتهم (ولو رحمهم لكان رحمته خيرًا لهم من أعمالهم)، فلو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكان ذلك لمجرد فضله وكرمه لا بأعمالهم (٢).

فجميع عباده تحت عفوه ورحمته وفضله، فما نجى منهم أحدًا إلا بعفوه ومغفرته، ولا فاز بالجنة إلا بفضله ورحمته (٣).


(١) شفاء العليل (٢٤٠: ٢٤٦).
(٢) مفتاح دار السعادة ٢/ ٤٦٢: ٤٦١.
(٣) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>