وثالثها: قوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٣، ٤] فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية تلك الغرانيق العلى لكان قد ظهر كذب الله تعالى في الحال وذلك لا يقوله مسلم.
ورابعها: قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣)} [الإسراء: ٧٣] وكلمة كاد عند بعضهم معناه قرب أن يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل، وقال عياض رحمه الله: ذكر الرواة لهذه القضية أن فيها نزلت {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} الآيتين، وهاتان الآيتان تردان الخبر الذي رووه لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتى يفترى، وأنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم فمضمون هذا ومفهومه أن الله تعالى عصمه من أن يفترى وثبته حتى لم يركن إليهم قليلًا فكيف كثيرا وهم يرون في أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم وأنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "افتريت على الله وقلت ما لم يقل" وهذا ضد مفهوم الآية وهى تضعف الحديث لو صح فكيف ولا صحة له؟ وهذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ}، وقد روى عن ابن عباس كل ما في القرآن كاد فهو ما لا يكون قال الله تعالى {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} ولم يذهب وأكاد أخفيها ولم يفعل، قال القشيري القاضي: ولقد طالبه قريش وثقيف إذ مر بآلهتهم أن يقبل بوجهه إليها ووعدوه الإيمان به إن فعل فما فعل ولا كان ليفعل، قال ابن الأنباري: ما قارب الرسول ولا ركن وقد ذكرت في معنى هذه الآية تفاسير أخر ما ذكرناه من نص الله على عصمة رسوله ترد سفسافها فلم يبق في الآية إلا أن الله تعالى امتن على رسوله بعصمته وتثبيته بما كاده به الكفار وراموا من فتنته، ومرادنا من ذلك تنزيهه وعصمته - صلى الله عليه وسلم - وهو مفهوم الآية، وأما المأخذ الثاني فهو مبنى على تسليم الحديث لو صح وقد أعاذنا الله من صحته.