للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بُرْمَةٍ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا مَعِي إِلَيْهِ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا إِلَيْهِ. فَقَالَ لِي: "ضَعْهَا" ثُمَّ أَمَرَني فَقَالَ: "ادعُ لي رِجَالًا" سَمَّاهُمْ "وَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ" قَالَ: فَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرَني، فَرَجَعْتُ فَإِذَا الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تِلْكَ الحْيْسَةِ، وَتَكَلَّمَ بِهَا مَا شَاءَ الله، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُ لهمْ: "اذْكُرُوا اسْمَ الله وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَليهِ" قَالَ: حَتَّى تَصَدَّعُوا كُلُّهُمْ عَنْهَا فَخَرَجَ مِنْهُم مَنْ خَرَجَ، وَبَقِيَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ، قَالَ: وَجَعَلْتُ أَغْتَمُّ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ الْحُجُرَاتِ وَخرَجْتُ فِي إِثْرِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا، فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ وَإِنِّي لَفِي الْحُجْرَةِ وَهوَ يَقُولُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ. . .} قَالَ أَنَسٌ إِنَّهُ خَدَمَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ (١).

قال ابن حجر: وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد: مَشْرُوعِيَّة الْحِجَاب لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ عِيَاض: فَرْض الْحِجَاب مِمَّا اِخْتَصَصْنَ بِهِ، فَهُوَ فُرِضَ عَلَيْهِنَّ بِلَا خِلَاف فِي الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ، فَلَا يَجُوز لَهُنَّ كَشْف ذَلِكَ فِي شَهَادَة وَلَا غَيْرهَا، وَلَا إِظْهَار شُخُوصهنَّ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَات؛ إِلَّا مَا دَعَتْ إِلَيْهِ ضَرُورَة مِنْ بِرَاز. ثُمَّ اِسْتَدَلَّ بِمَا فِي "الْمُوَطَّأ" أَنَّ حَفْصَة لمَّا تُوُفِّيَ عُمَر سَتَرَهَا النِّسَاء عَنْ أَنْ يُرَى شَخْصهَا، وَأَنَّ زَيْنَب بِنْت جَحْش جَعَلَتْ لها الْقُبَّة فَوْقَ نَعْشهَا لِيَسْتُر شَخْصهَا. وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ دَلِيل عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ فَرْض ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ، وَقَدْ كُنَّ بَعْدَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْجُجْنَ وَيطُفْنَ، وَكَانَ الصَّحَابَة وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَسْمَعُونَ مِنْهُنَّ الْحَدِيث وَهُنَّ مُسْتَتِرَات الْأَبدَانِ لَا الْأَشْخَاص (٢).

السبب الثاني: ما روي عن عروة عن عائشة: أن أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ؛ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ. فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ليْلَةً مِنْ اللَّيَالِي عِشَاءً؛ وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلَا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنْزَلَ الله - عز وجل - الْحِجَابِ (٣).


(١) أخرجه البخاري (٥١٦٣)، مسلم (١٤٢٨) وهذه لفظ البخاري، وقد ذكر ابن العربي لفظ الترمذي، وانظر البخاري أيضًا (٤٧٩١ - ٤٧٩٢ - ٤٧٩٣ - ٤٧٩٤).
(٢) فتح الباري (٨/ ٦٢١).
(٣) أخرجه البخاري (١٤٦)، مسلم (٢١٧) واللفظ لمسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>