من هذا، أي: في عهده وعقده، أي: فألزمه بالعقد والميثاق، ثم صار يستعمل في كل ما يمكن أخذ الحق من جهته، سواء وجب بعقده أو بغير عقده، وهكذا لفظ الصلح عام في كل صلح، وهو يتناول صلح المسلمين، بعضهم مع بعض وصلحهم مع الكفار، ولكن صار في اصطلاح كثير من الفقهاء أهل الذمة عبارة عمن يؤدي الجزية، وهؤلاء لهم ذمة مؤبدة، وهؤلاء قد عاهدوا المسلمين على أن يجري عليهم حكم الله ورسوله؛ إذ هم مقيمون في الدار التي يجري فيها حكم الله ورسوله، بخلاف أهل الهدنة فإنهم صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم، سواء كان الصلح على مال أو غير مال، لا تجري عليهم أحكام الإسلام كما تجري على أهل الذمة، ولكن عليهم الكف عن محاربة المسلمين، وهؤلاء يسمون أهل العهد وأهل الصلح وأهل الهدنة، وأما المستأمن فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها، وهؤلاء أربعة أقسام: رسل وتجار ومستجيرون، حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن، فإن شاؤوا دخلوا فيه، وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء ألا يهاجروا ولا يقتلوا ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن، فإن دخل فيه فذاك وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به، ولم يعرض له قبل وصوله إليه فإذا وصل مأمنه عاد حربيًّا كما كان" (١).
ففي تقريره- رحمه الله- عدة فوائد منها:
ذكر حقوق أهل الذمة، وأهل الهدنة، والمستأمنين. فجميعهم في طور العهد.
ومنها: وجوب الوفاء لهم ما أوفوا.
ومنها: جواز دخول التجار والرسل والعمال وأهل الحرف والصناعات ونحوهم.
ومنها: أن أحكام الشرع تطبق على المعاهدين إذا كانوا يقيمون في الدار التي يجري فيها حكم الله ورسوله.