للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهواء أنفسكم من الرغبة في الدنيا وأسبابها {وَاللَّهُ عَزِيزٌ}، يقول: إن أنتم أردتم الآخرة، لم يغلبْكم عدوٌّ لكم، لأن الله عزيزٌ لا يُقهرُ ولا يُغلَبُ وأنه {حَكِيمٌ} في تدبيره أمرَ خلقه. (١)

قال الله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (الأنفال: ٦٨).

قال الطبري: يقول تعالى ذكره لأهل بدرٍ الذين غنموا وأخذوا من الأسرى الفداءَ: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} يقول: لولا قضاءٌ من الله سبق لكم أهلَ بدرٍ في اللوح المحفوظ، بأن الله مُحِلٌّ لكم الغنيمة، وأن الله قضى فيما قضى أنه لا يُضِلُّ قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون، وأنه لا يعذب أحدًا شهد المشهد الذي شهدتموه ببدرٍ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناصرًا دينَ الله لنَالَكُمْ من الله بأخذكم الغنيمة والفداء، عذابٌ عظيمٌ. (٢)

قال القاضي عياض: وأما قوله في أساري بدرٍ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨)} (الأنفال: ٦٧ - ٦٨) فليس فيه إلزام بذنب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، بل فيه بيان ما خُصَّ به وفُضِّل من بين سائر الأنبياء، فكأنه قال: ما كان هذا لنبيٍّ غيرِك، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "أُحِلَّتْ لِي المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي". (٣)

فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}؟

قيل: المعنى بالخطاب لمن أراد ذلك منهم، وتجرد غرضه لعرض الدنيا وحده، والاستكثار منها، وليس المراد بهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عِلْيَة أصحابه - رضي الله عنهم - بل قد رُوِيَ عن الضحاك: أنها نزلت حين انهزم المشركون يوم بدر واشتغل الناس بالسلب وجمع الغنائم عن القتال، حتى خشي عمرُ أن يعطف عليهم العدو. ثم قال الله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨)} فاختلف المفسرون في معنى الآية، فقيل:


(١) تفسير الطبري ١٠/ ٤٢.
(٢) تفسير الطبري ١٠/ ٤٤.
(٣) البخاري (٣٢٨، ٤٢٧)، مسلم (٥٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>