للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال تعالى قبل خلقه: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ} (١).

فإن الله سبحانه سبق حكمه وحكمته بأن يجعل في الأرض خليفة وأعلم بذلك ملائكته فهو سبحانه قد أراد بكون هذا الخليفة وذريته في الأرض قبل خلقه لما له في ذلك من الحكم والغايات الحميدة فلم يكن بد من إخراجه من الجَنَّة إلى دار قد سكناهم فيها قبل أن يخلقه وكان ذلك التقدير بأسباب وحكم فمن أسبابه النهي عن تلك الشجرة وتخليته بينه وبين عدوه حتى وسوس إليه بالأكل وتخليته بينه وبين نفسه حتى وقع في المعصية وكانت تلك الأسباب موصلة إلى غايات محمودة مطلوبة يترتب على خروجه من الجَنَّة ثم يترتب على خروجه أسباب أخر جعلت غايات لحكم ومن تلك الغايات عوده إليها على أكمل الوجوه (٢).

لم يكن إخراج الله تعالى آدم من الجَنَّة وإهباطه منها عقوبة له لأنه أهبطه بعد أن تاب عليه وقبل توبته وإنما أهبطه إما تأديبًا وإما تغليظًا للمحنة والصحيح في إهباطه وسكناه في الأرض ما قد ظهر من الحكمة الأزلية في ذلك وهي نشر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم ويرتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي إذ الجَنَّة والنار ليستا بدار تكليف فكانت تلك الأكلة سبب إهباطه من الجَنَّة ولله أن يفعل ما يشاء (٣).

وبلى الحبيب آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالذنب فاعترف وتاب وندم وتضرع واستكان وفزع إلى مفزع الخليقة وهو التوحيد والاستغفار فأزيل عنه العتب وغفر له الذَّنْبَ وقبل منه المتاب وفتح له من الرحمة والهداية كل باب ونحن الأبناء ومن أشبه أباه فما ظلم ومن كانت شيمته التوبة والاستغفار فقد هدي لأحسن الشيم (٤).

والمقصود أن الله سبحانه وتعالى لما اقتضت حكمته ورحمته إخراج آدم وذريته من الجَنَّة أعاضهم أفضل منها وهو ما أعطاهم من عهده الذي جعله سببًا موصلا لهم إليه، فمن أتيه


(١) فتح الباري لابن حجر (١١/ ٥١٧).
(٢) شفاء العليل لابن القيم (٢٤٢).
(٣) تفسير القرطبي (١/ ٢١٣).
(٤) إغاثة اللهفان (١/ ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>