للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منكم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (١).

قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)} [طه: ١٢١، ١٢٢]، فبهذا الإطلاق وهذا التصريح، وحيث لم يقل وزل آدم وأخطأ وما أشبه ذلك مما يعبر به عن الزلات والفرطات فيه لطف بالمكلفين ومزجرة بليغة وموعظة كافة، وكأنه قيل لهم: انظروا واعتبروا كيف نعتب على النبيّ المعصوم حبيب الله الذي لا يجوز عليه اقتراف الصغيرة غير المنفرة زلته بهذه الغلظة وبهذا اللفظ الشنيع، فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من السيئات والصغائر فضلًا عن أن تجسروا عن التورط في الكبائر (٢).

وأجمع أهل الإسلام أنه لا يجوز البتة أن يقع من نبي معصية بعمد سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ونقول أنه يقع من الأنبياء السهو عن غير قصد ويقع منهم أيضًا قصد الشيء يريدون به وجه الله تعالى والتقرب منه فيوافق خلاف مراد الله تعالى إلا أنه تعالى لا يقرهم على شيء من هذين الوجهين وينبههم عليه (٣).

اتفق العلماء على أن الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - معصومون من الكبائر ومن كل رذيلة فيها شين ونقص اجتماعًا، إنما اختلف العلماء في هل وقع من الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - صغائر من الذنوب يؤاخذون بها ويعاتبون عليها أم لا؟ ، والذي ينبغي أن يقال: إن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم وعاتبهم عليها، وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصلوا منها وأشفقوا منها وتابوا، وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا يقبل التأويل جملتها وإن قبل ذلك آحادها، وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم، وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة الندور وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات وفي حقهم سيئات،


(١) مفتاح دار السعادة لابن القيم (٢٢٥).
(٢) تفسير البحر المحيط (٦/ ٢١٥).
(٣) الفصل في الملل لابن حزم (٤/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>