للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحصل، وهو الآدمي، أكمل ما تكون. تعلم وتحقق أنه كان في ابتداء أمره نطفة ميتة، لا حياة فيها ولا قدرة، ثم نقل إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم من حال إلى حال، ثم بعد خروجه حيًّا من الأحشاء إلى الدنيا. تعلم وتحقق أنه كان في تلك الحالة جاهلًا بنفسه وتكييفه، وتركيبه، ثم بعد كمال عقله وتصوره وحذقه وفهمه لا يقدر في حال كماله أن يحدث في بدنه شعرة ولا شيئًا، ولا عرقًا فكيف يكون محدثًا لنفسه ومنقلًا لها في حال نقصه من صورة إلى صورة ومن حالة إلى حالة وإذا بطل ذلك منه في حال كماله كان أولى أن يبطل ذلك منه في حال نقصه، ولم يبق إلا أن له محدثًا أحدثه، ومصورًا صوره ومنقلًا نقله؛ وهو الله سبحانه وتعالى (١).

وتقوم هذه الأدلة على أسس عقلية لا يخالفنا فيها أحد.

١) فالعدم لا يفعل شيئًا: فمن المستحيل أن يوجد فعل بدون فاعل، ومن المستحيل أن يفعل العدم شيئًا لأنه لا وجود للعدم.

٢) والفعل مرآة لبعض قدرة فاعله وبعض صفاته:

فإن بين الفعل والفاعل علاقة قوية فالفاعل هو المقدمة والفعل هو النتيجة ولا يكون شيء في الفعل ليس للفاعل قدرة على فعله.

٣) وفاقد الشيء لا يعطيه: فنحن إذا شاهدنا مقتولًا في الشارع فإن أحدًا منا لا يدعوا إلى إلقاء القبض على حجرة بجوار القتيل بتهمة القتل لأنَّها لا تملك القدرة على الفعل كما أن الواحد منا لا يزعم بأن حيوانا لا يعقل قد أطلق قمرًا صناعيًا يدور حول الأرض لأن الحيوان لا يملك القدرة على إطلاق ذلك القمر وهكذا يحكم العقل حكمًا جازمًا بأن ليس الفاعل من لا يملك القدرة على الفعل وفاقد الشيء لا يعطيه (٢).

٤) مبدأ السببية؛ فالواقع والعقول السليمة تشهد أن الإنسان منذ فتح عينيه لم يشاهد أن حادثًا حدث من غير سبب أو أن شيئًا وجد من غير موجد حتى أصبح هذا المعنى


(١) انظر في ذلك الفصل في الملل والنحل (١/ ٦٦)، ودرء تعارض العقل والنقل (٣/ ١١٣)، وأضواء البيان (٤/ ٣٦٨).
(٢) توحيد الخالق (٢٩ - ٣٠)، والرياض النضرة (ص ٢٥٨)، ودرء تعارض العقل مع النقل (٣/ ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>