للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لائم لهم، فلغربتهم بين هذا الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم (١).

قال ابن القيم: فالغربة ثلاثة أنواع: الغربة الأولى: غربة أهل الله وأهل سنة رسوله بين هذا الخلق؛ وهي الغربة التي مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهلها، وأخبر عن الدين الذي جاء به أنه بدأ غريبًا وأنه سيعود غريبًا كما بدأ، وأن أهله يصيرون غرباء، وهذه الغربة قد تكون في مكان دون مكان ووقت دون وقت وبين قوم دون قوم (٢).

ومن هؤلاء الغرباء من ذكرهم أنس -رضي الله عنه- في حديثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: رُبَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لَأَبرَّهُ (٣).

والغربة الثانية: غربة مذمومة، وهي غربة أهل الباطل وأهل الفجور بين أهل الحق، فهي غربة بين حزب الله المفلحين، وإن كثر أهلها فهم غرباء على كثرة أصحابهم وأشياعهم أهل وحشة على كثرة مؤنسهم يعرفون في أهل الأرض ويخفون على أهل السماء.

والنوع الثالث: غربة مشتركة لا تحمد ولا تذم، وهي الغربة عن الوطن فإن الناس كلهم في هذه الدار غرباء؛ فإنها ليست لهم بدار مقام ولا هي الدار التي خلقوا لها، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" (٤) (٥).

قال ابن باز: معناه أن الإسلام بدأ غريبًا كما كان الحال في مكة وفي المدينة في أولى الهجرة لا يعرف؛ غريبًا في آخر الزمان كما بدأ لا يعرفه حق المعرفة إلا القليل من الناس، ولا يعمل به على الوجه المشروع إلا القليل من الناس وهم الغرباء (٦).


(١) مدارج السالكين (٣/ ١٩٧).
(٢) مدارج السالكين (٣/ ١٩٦).
(٣) الترمذي (٣٨٥٤)، مسند أحمد (٣/ ١٤٥).
(٤) البخاري (٦٤١٦).
(٥) مدارج السالكين (٣/ ٢٠٠).
(٦) فتاوى إسلامية (٤/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>