للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن نفي الشفاعة في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: ٤٨]، وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}. ليس في الاثنين دليل لمنكري الشفاعة؛ لأن قوله: {يَوْمًا} أخرجه مُنَكَّرًا، ولا شك أن في القيامة مواطن، ويومها معدود بخمسين ألف سنة، فبعض أوقاتها ليس زمانًا للشفاعة، وبعضها هو الوقت الموعود، وفيه المقام المحمود لسيد البشر - عليه أفضل الصلاة والسلام - وقد وردت آي كثيرة ترشد إلى تعدد أيامها واختلاف أوقاتها، منه قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١)} [المؤمنون: ١٠١] مع قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٧)} [الصافات: ٢٧]، فيتعين حمل الآيتين على يومين مختلفين ووقتين متغايرين: أحدهما محل للتناول، والآخر ليس محلًا له، وكذلك الشفاعة وأدلة ثبوتها لا تحصى كثرة، رزقنا الله الشفاعة وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة (١).

ويمكن حمل هذه الآيات أيضًا على ما يلي:

١ - يحتمل أن تكون هذه الآيات التي ظاهرها نفي الشفاعة إنما وردت في أقوامٍ لا يجدون شفيعًا تقبل شفاعته لعجز المشفوع فيه. (٢)

٢ - يحتمل أن يكون هذه الآيات التي ظاهرها نفي الشفاعة أن يكون معناها لا يجيب الشافع المشفوع فيه إلى الشفاعة وإن كان لو شفع لشفع. (٣)

٣ - يحتمل أن يكون معنى هذه الآيات التي ظاهرها نفي الشفاعة، إنما معناها يرد حيث لم يأذن الله في الشفاعة للكفار، ولا بد من إذن الله بتقدم الشافع بالشفاعة لقوله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ


(١) محاسن التأويل (١/ ٣٠٣).
(٢) البحر المحيط (١/ ٣٤٨).
(٣) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>