للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)} [سبأ: ٢٣]، وقوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: ٢٨].

٤ - يحتمل أن يكون المعنى في هذه الآيات التي ظاهرها نفي الشفاعة أن طاعة المطيع لتقضي عن العاصي ما كان واجبًا عليه، فلا تقضي نفس عن نفس حقًّا لازمًا لله جل ثناؤه ولا لغيره، ولا يقبل الله منها شفاعة شافع فيترك ما لزمها من حق (١).

٥ - أن الشفاعة في قوله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤)} [الزمر: ٤٤]، هذه الشفاعة خاصة بالله وحده، أو أن الشفاعة كلها خاصة بالله وحده، ولا يستطيع أحد أن يشفع لأحد إلا بشرطين هما:

١ - أن يكون المشفوع له مرتضى.

٢ - وأن يكون الشفيع مأذونًا له.

وهنا الشرطان مفقودان جميعًا لقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (٤٣)} [الزمر: ٤٣] أي يشفعون ولو كانوا لا يملكون شيئًا ولا يعقلون؟ أي ولو كانوا على هذه الصفة لا يملكون شيئًا قط حتى يملكوا الشفاعة ولا عقل لهم (٢).

فيقول تعالى ذامًا للمشركين في اتخاذهم شفعاء من دون الله، وهم الأصنام والأنداد التي اتخذوها من تلقاء أنفسهم بلا دليل ولا برهان لديهم على ذلك، وهي لا تملك شيئًا من الأمر؛ بل وليس لها عقل تعقل به ولا سمع تسمع به ولا بصر تبصر به؛ بل هي جمادات أسوأ حالًا من الحيوان بكثير، قل: أي يا رسول الله لهؤلاء الزاعمين إنَّ ما اتخذوه شفعاء لهم عند الله، أخبرهم أن الشفاعة لا تنفع عند الله إلا لمن ارتضاه وأذن له، فمرجعها كلها إليه {مَنْ ذَا الَّذِي


(١) تفسير الطبري (١/ ٢٦٧)، تفسير الخازن (١/ ٤٣).
(٢) الكشاف (٤/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>