يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} الله ملك السموات والأرض أي هو المتصرف في جميع ذلك ثم إليه ترجعون أي يوم القيامة فيحكم بينكم بعدله ويجزي كلًا بعمله (١).
فقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزمر: ٤٣, ٤٤]. فـ (أم) منقطعة وهي للاضطراب الانتقالي انتقالًا من تشنيع إشراكهم إلى إبطال معاذيرهم في شركهم، ذلك أنهم لما دمغتهم حجج القرآن باستحالة أن يكون لله شركاء تمحلوا تأويلًا لشركهم فقالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} كما حكى عنهم في أول هذه السورة، فلما استوفيت الحجج على إبطال الشرك أقبل هنا على إبطال تأويلهم منه ومعذرتهم.
والاستفهام الذي تشعر به (أم) في جميع مواقعها هو هنا للإنكار بمعنى أن تأويلهم وعذرهم منكر كما كان المعتذر عنه منكرًا فلم يقضوا بهذه المعذرة وطرًا.
وأمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول لهم مقالة تقطع بهتانهم وهي {قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ} فالواو في (أولو كانوا) عاطفة كلام المجيب على كلامهم، وهو من قبيل ما سمي بعطف التلقين في قوله تعالى:{قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}[البقرة: ١٢٤] ولك أن تجعل الواو للحال كما هو المختار في نظيره وتقدم في قوله: {وَلَوِ افْتَدَى بِهِ}[آل عمران: ٩١] وصاحب الحال مقدر دل ما قبله من قوله: {اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} والتقدير: أيشفعون ولو كانوا لا يملكون شيئًا؟ والظاهر أن حكم تصدير الاستفهام قبل واو الحال كحكم تصديره قبل واو العطف، وأفاد تنكير (شيئًا) في سياق النفي عموم كل ما يُمْلَكُ فيدخل في عمومه جميع أنواع الشفاعة، ولما كانت الشفاعة أمرًا معنويًا كان معنى ملكها تحصيل إجابتها والكلام تهكم إذ كيف يشفع من لا يعقل، فإنه لعدم عقله لا يتصور خطورة معنى الشفاعة عنده فضلًا عن أن تتوجه إرادته إلى الاستشفاع فاتخاذهم شفعاء من الحماقة، ولما نفي أن يكون لأصنامهم شيء