من الشفاعة في عموم نفي ملك شيء من الموجودات عن الأصنام قوبل بقوله (لله الشفاعة) أي الشفاعة كلها لله، وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول ذلك لهم ليعلموا أن لا يملك الشفاعة إلا الله أي هو مالك إجابة شفاعة الشفعاء الحق.
وتقديم الخبر المحرر وهو "لله" على المبتدأ لإفادة الحصر، واللام للملك أي قصر ملك الشفاعة على الله تعالى لا يملك أحد الشفاعة عنده. و"جميعًا" حال من الشفاعة مفيدة للاستغراق أي لا يشذ جزئي من جزئيات حقيقة الشفاعة عن كونه ملكًا لله، وقد تأكد بلازم هذه لحال ما دل عليه الحصر من انتفاء أن يكون شيء من الشفاعة لغير الله. وجملة (له ملك السموات والأرض) لتعميم انفراد الله بالتصرف في السماوات والأرض الشامل للتصرف في مؤاخذة المخلوقات وتسيير أمورهم، فموقعها موقع التذييل المفيد لتقرير الجملة التي قبله وزيادة، والمراد الملك بالتصرف بالخلق وتصريف أحوال العالمين ومن فيها، فإذا كان ذلك الملك له فلا يستطيع أحد صرفه عن أمر أراد وقوعه إلى ضد ذلك الأمر في مدة وجود السماوات والأرض، وهذا إبطال لأن تكون لآلهتهم شفاعة لهم في أحوالهم في الدنيا، وعطف عليه (ثم إليه ترجعون) للإشارة إلى ثبات البعث، وإلى أنه لا يشفع أحد عند الله بعد الحشر إلا من أذن الله بذلك. و (ثم) للترتيب الرتبي كشأنها في عطف الجمل، ذلك لأن مضمون "إليه ترجعون" أن لله ملك الآخرة كما كان له ملك الدنيا وملك الآخرة أعظم لسعة مملوكاته وبقائها، وتقديم "إليه" على "ترجعون" للإهتمام والتقوى والرعاية الفاصلة (١).
قال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: ٤٣, ٤٤]. فأخبر أن الشفاعة لمن له ملك السموات والأرض، وهو الله وحده فهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه ليرحم عبده فيأذن هو لمن يشاء أن يشفع فيه، فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي