١ - إما للتثبت: كما رد عمر بن الخطاب أبا موسى، فقد أخبره أنه أراد التثبت.
٢ - وإما لأن الصحابي رأى أن الخبر يعارض دليلًا قطعيا: كما في إنكار عائشة على ابن عمر - رضي الله عنه - حديثه:"إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" فقالت: حسبكم القرآن {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(الأنعام: ١٦٤).
٣ - وإما أظنه عدم ضبط الراوي أو خطئه، مثل رد عمر.
ثانيًا: وأمَّا ما أوردوه من أن عددًا من الصحابة لم يعمل بخبر الآحاد، فإن الثابت الذي لا شك فيه أن الصحابة - رضي الله عنه - مجمعون على العمل بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آحادًا كان أو غير آحاد -، فإذا روي عنهم التوقف في بعض الأخبار؛ فإن ذلك لا يدل على عدم الاحتجاج والعمل به، بل قد يكون لغرض آخر كطروء ريبة، أو احتمال الوهم، أو سدِّ ذريعة، أو مزيد رغبة في التثبت والاحتياط، إلى غير ذلك من الأغراض.
فردُّ أبي بكر - رضي الله عنه - لخبر المغيرة في ميراث الجدَّة لم يكن ردًّا منه لخبر الآحاد، ولكنه توقف فيه إلى أن يأتي ما يؤيده ويزيده تثبتًا من وجود هذا التشريع في الإسلام، وهو إعطاء الجدَّة السدس، خصوصًا وأنه لم ينص عليه في القرآن؛ فكان لا بد للعمل به وإقراره من زيادة في التثبت والاحتياط، فلما شهد محمد بن مسلمة أنه سمع ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتردد أبو بكر في العمل بخبر المغيرة، ومع أن شهادة محمد بن مسلمة لم ترفع الخبر عن كونه آحادًا؛ إلا أن أبا بكر لم يتردد في قبوله، والعمل به.
- وأما ردُّ عمر - صلى الله عليه وسلم - لخبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان؛ فإن أبا موسى أخبره بالحديث عقب إنكاره عليه، فأراد عمر التثبت والاحتياط في الرواية؛ سدًّا للذريعة، لئلا يفضي ذلك إلى التوسع في الحديث عن رسول الله، خصوصًا ممن نشأ حديثًا في الإسلام أو دخل فيه، ولذلك قال عمر لأبي موسى:(أما إني لم أتَّهِمك، ولكنه الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).