للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث من بعث من رسله إلى الآفاق؛ لينقلوا عنه القرآن والسنة والشرائع، ومعلوم أن أهم أمور الدين هي العقائد، فهي أول شيء كان الرسل يدعون الناس إليها؛ فدل كل هذا على أن خبر الواحد من الصحابة يفيد العلم عند مستمعيه، ولم ينقل أن أحدا رد خبرهم بحجة أنه خبر آحاد. (١)

فإن خبر العدل الواحد المتلقى بالقبول لو لم يفد العلم؛ لم تجز الشهادة على الله ورسوله بمضمونه، ومن المعلوم المتيقن: أن الأمة من عهد الصحابة، إلى الآن، لم تزل تشهد على الله وعلى رسوله بمضمون هذه الأخبار، جازمين بالشهادة في تصانيفهم وخطابهم، فيقولون شرع الله كذا وكذا على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلو لم يكونوا عالمين بصدق تلك الأخبار، جازمين بها، لكانوا قد شهدوا بغير علم، وكانت شهادة الزور من سادات الأمة وعلمائها (٢).

إن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - العلم، يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم وأقوالهم أنهم قالوا، ولو قيل لهم: إنها لم تصح عنهم؛ لأنكروا ذلك غاية الإنكار، وتعجبوا من جهل قائله، ومعلوم أن تلك المذاهب لم يروها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم، لم يروها عنهم عدد التواتر، وهذا معلوم يقينًا، فكيف حصل لهم العلم الضروري، والمقارب للضروري، بأن أئمتهم ومن قلدوهم دينهم أفتوا بكذا، وذهبوا إلى كذا، ولم يحصل لهم العلم بما أخبر به أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وسائر الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا بما رواه عنهم التابعون، وشاع في الأمة وذاع، وتعددت طرقه وتنوعت، وكان حرصه عليه أعظم بكثير من حرص أولئك على أقوال متبوعيهم؟ إن هذا لهو العجب العجاب!

وهذا - وإن لم يكن نفسه دليلًا - يلزمهم أحد أمرين:

١ - إما أن يقولوا أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفتاواه، وأقضيته تفيد العلم.


(١) انظر: خبر الواحد وحجيته، أحمد بن محمود عبد الوهاب الشنقيطي (١٦٣).
(٢) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>