سمع صوت شقائك ... ) (التكوين ١٦/ ١١: ١٠)، والذي يتأمل هذه البشرى يلاحظ أنها لم تذكر شيئًا عن ذرية لإسماعيل في المستقبل بل تكلمت عن نسل لهاجر وإخوة لإسماعيل، وما دامت هاجر قد حملت من إبراهيم بوليدها البكر إسماعيل فإنها يمكن أن تحمل منه ذرية أخرى يتكاثر منها نسل هاجر ولا يوجد في تلك البشرى ما يمنع حدوث مكروه لإسماعيل مثل موته أو قتله قبل أن يكبر وتكون له ذرية.
فلو حدث بعد مولد إسماعيل أن جاء الوحي لإبراهيم بأمره بذبح ابنه هذا ما كان هناك تناقص وأما ما جاء في الدعاء بالبركة وكثرة ذريته فكان ذلك بعد ما بلغ ثلاث عشرة سنة عند البشرى بإسحاق، كما جاء في سفر التكوين صحيحًا قال الرب لإبراهيم (وأما إسماعيل فقد سمعت قولك فيه وها أنا ذا أباركه وأنميه وأكثره جدًّا ويلد اثنى عشر رئيسًا وأجعله أمة عظيمة)(التكوين ١٧/ ٢٠).
أقول: كانت هذه البركة قبل مولد إسحاق بعام وعند ذلك كان عمر إسماعيل ثلاث عشرة سنة، معنى ذلك أن هذا الكلام قد قبل بعد أن فدى الله إسماعيل من الذبح.
أما ما يتعلق بإسحاق: نجد أن الأمر قد اختلف تمامًا عن أخيه إسماعيل حيث إن البشرى التي تلقاها إبراهيم السَّلام قبل مولد إسحاق بعام وأن البشرى بكثرة نسله وذريته كان قبل مولد إسحاق، فقد جاء في سفر التكوين ما نصه:(فقال الله: بل سارة امرأتك ستلد لك ابنا واسمه إسحاق وأقيم عهدي معه عهدًا أبديًا لأكون له إلهًا ولنسله من بعده)(تكوين ١٧/ ١٩)، فكيف إذن ينبئ وحي السماء إبراهيم -عليه السَّلام- بذرية لإسحاق قبل مولده ويقام معها عهد الله، ثم يعود وحي السماء ليطلب من إبراهيم أن يذبح ابنه إسحاق وهو لا يزال بعد صبيًا لم يتزوج وينجب ذرية كما ورد في البشارة.
قلت: والبشارة بنسل إسحاق مع ولادته هو ما صرح به القرآن الكريم حيث بشر إبراهيم وزوجته سارة بولادة إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب كما قال سبحانه: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}[هود: ٧١]، وهذا دليل على أن إسحاق ليس هو الذبيح.