للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعًا: إنَّ البحث في الشكل يوجب المشقة في الوصول إلى المراد، وزيادة المشقة توجب مزيدًا من الثواب. قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢)} [آل عمران: ١٤٢]. (١)

خامسًا: أنه لما كان القرآن مشتملًا على المحكم والمتشابه، افتقر العلماء إلى تعلم طرق التأويلات، وترجيح بعضها على بعض، وافتقر تعلم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة والنحو وعلم أصول الفقه، ولو لم يكن الأمر كذلك ما كان يحتاج الإنسان إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة. (٢)

سادسًا: تربية المسلم على التواضع ولين الجانب، فإنه عندما يرى غيره يعلم ما لا يعلمه هو، فإن هذا يدعوه إلى التعلم والاعتراف بالعجز. (٣) وفي هذا يقول عمرو بن مرة - رضي الله عنه -: ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنني، لأني سمعت الله يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)} [العنكبوت: ٤٣]. (٤)

سابعًا: أن القرآن إذا كان مشتملًا على المحكم والمتشابه، افتقر الناظر فيه إلى الاستعانة بدليل العقل، وحينئذ يتخلص عن ظلمة التقليد، ويصل إلى ضياء الاستدلال والبيِّنة، أما لو كان كله محكمًا لم يفتقر إلى التمسك بالدلائل العقلية؛ فحينئذ كان يبقى في الجهل والتقليد. (٥)

ثامنًا: أنه لو كان القرآن محكمًا بالكلية لما كان مطابقًا إلا لمذهب واحد، وكان تصريحه مبطلًا لكل ما سوى ذلك المذهب، وذلك مما ينفر أرباب المذاهب عن قبوله، وعن النظر فيه. فالانتفاع به إنما حصل لمَّا كان مشتملًا على المحكم والمتشابه؛ فحينئذ يطمع صاحب كل مذهب أن يجد فيه ما يقوي مذهبه ويؤثر مقالته، فحينئذ ينظر فيه جميع أرباب


(١) التفسير الكبير للرازي (٧/ ١٧٢)، والإتقان (٣/ ٣٢)، والبرهان (٢/ ٧٥).
(٢) التفسير الكبير (٧/ ١٧٢).
(٣) مشكل القرآن (١٠٨).
(٤) تفسير ابن أبي حاتم (٩/ ٣٠٦٤/ ١٧٣٢٧).
(٥) التفسير الكبير (٧/ ١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>