فيكون مثاني، ويذكر الأمثال فيكون متشابهًا. وهؤلاء وإن كانوا يكتبون ويقرؤون فهم أميون من أهل الكتاب، كما نقول نحن لمن كان كذلك: هوامي، وساذج، وعامي، وإن كان يحفظ القرآن ويقرأ المكتوب إذا كان يعرف معناه.
وإذا كان الله قد ذم هؤلاء الذين لا يعرفون الكتاب إلا تلاوة دون فهم معانيه، كما ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، دل على أن كلا النوعين مذموم: الجاهل الذي لا يفهم معاني النصوص، والكاذب الذي يحرف الكلم عن مواضعه. وهذا حال أهل البدع، فإنهم أحد رجلين: إما رجل يحرف الكلم عن مواضعه، ويتكلم برأيه، ويؤوله بما يضيفه إلى الله فهؤلاء، يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون: هو من عند الله، وإما رجل مقلد أمِّي، لا يعرف من الكتاب إلا ما يسمعه منهم، أو ما يتلوه هو، ولا يعرف إلا أماني وقد ذمه الله على ذلك، فعلم أن الله ذم الذين لا يعرفون معاني القرآن، ولا يتدبرونه، ولا يعقلونه، كما صرح القرآن بذمهم في غير موضع، فيمتنع مع هذا أن يقال: إن أكثر القرآن أو كثيرًا منه لا يعلمه أحد من الخلق إلا أماني، لا جبريل ولا محمد ولا الصحابة ولا أحد من المسلمين؛ فإن هذا تشبيه لهم بهؤلاء فيما ذمهم الله به.
فإن قيل: أفلا يجب على كل مسلم معرفة معنى كل آية؟ قيل: نعم، لكن معرفة معاني الجميع فرض على الكفاية، وعلى كل مسلم معرفة ما لا بد منه، وهؤلاء ذمهم الله؛ لأنهم لا يعلمون معاني الكتاب إلا تلاوة، وليس عندهم إلا الظن، وهذا يشبه قوله:{وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ}[هود: ١١٠].
وأيضًا فإنه قال:{وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} فدل على أنه ذمهم على نفي العلم، وعلى أنه ليس معهم إلا الظن، وهذا حال الجاهل بمعاني الكتاب لا حال من يعلم أنه يكذب، فظهر أن هذا المصنف ليس هم الذين يقولون بأفواههم الكذب والباطل، ولو أريد ذلك لقيل:(لا يقولون إلا أماني)، لم يقل:(لا يعلمون الكتاب إلا أماني)، بل ذلك المصنف هم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ويلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب، ويقولون: هو من عند الله، وما هو من عند الله، ويكتبون الكتاب بأيديهم ليشتروا به ثمنا قليلًا، فهم يحرفون معاني