للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا فهذه الأماني الباطلة التي تمنوها بقلوبهم وقالوها بألسنتهم، كقوله تعالى: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} قد اشتركوا فيها كلهم، فلا يخص بالذم الأميون منهم، وليس لكونهم أميين مدخل في الذم بهذه، ولا لنفي العلم بالكتاب مدخل في الذم بهذه، بل الذم بهذه مما يعلم أنها باطل أعظم من ذم من لا يعلم أنها باطل؛ ولهذا لما ذم الله بها عمم ولم يخص، فقال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة: ١١١] (١).

قوله: {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}:

قال ابن تيمية: والكتاب هنا المراد به: الكتاب المنزل، وهو التوراة؛ ليس المراد به الخط، فإنه قال: {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: ٧٨] فهذا يدل على أنه نفى عنهم العلم بمعاني الكتاب، وإلا فكون الرجل لا يكتب بيده لا يستلزم أن يكون لا علم عنده، بل يظن ظنًا؛ بل كثير ممن يكتب بيده، لا يفهم ما يكتب، وكثير ممن لا يكتب يكون عالمًا بمعاني ما يكتبه غيره. وأيضًا فإن الله ذكر هذا في سياق الذم لهم، وليس في كون الرجل لا يخط ذم إذا قام بالواجب، وإنما الذم على كونه لا يعقل الكتاب الذي أنزل إليه، سواء كتبه وقرأه أو لم يكتبه، ولم يقرأه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا أوان يرفع العلم". فقال له زياد بن لبيد: كيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن فوالله لنقرأنَّه ولنقرِئنَّه نساءنا؟ فقال له: "إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة، أو ليست التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغنى عنهم؟ " (٢).

ولأنه قال تعالى قبل هذا: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: ٧٥] فأولئك عقلوه ثم حرفوه، وهم مذمومون، سواء كانوا يحفظونه بقلوبهم، يكتبونه ويقرؤونه حفظًا وكتابة، أو لم يكونوا كذلك، فكان من المناسب أن يذكر الذين لا يعقلونه، وهم الذين لا يعلمونه إلا أماني؛ فإن القرآن أنزله الله كتابًا متشابهًا مثاني، ويذكر فيه الأقسام والأمثال، فيستوعب الأقسام،


(١) مجموع الفتاوى ٥/ ٤٢٩ - فصل: وهذه الألفاظ المحدثة الجملة النافية.
(٢) رواه الترمذي (٢٨٦٥)، والنسائي في الكبرى (٥٩٠٩) وصححه الألباني في تخريج اقتضاء العلم والعمل (٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>