الأول: أنه كان رسولًا حقًّا من الله تعالى إلى الخلق، والرسول يجب عليه رعاية مصالح الأمة بقدر الإمكان.
والثاني: هو أنه - عليه السلام - علم بالوحي أنه سيحصل القحط والضيق الشديد الذي ربما أفضى إلى هلاك الخلق العظيم، فلعله تعالى أمره بأن يدبر في ذلك، ويأتي بطريق لأجله يقل ضرر ذلك القحط في حق الخلق.
والثالث: أن السعي في إيصال النفع إلى المستحقين ودفع الضرر عنهم - أمر مستحسن في العقول، وإذا ثبت هذا فنقول: إنه - عليه السلام - كان مكلفًا برعاية مصالح الخلق من هذه الوجوه، وما كان يمكنه رعايتها إلا بهذا الطريق، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ فكان هذا الطريق واجبًا عليه، ولما كان واجبًا سقطت الأسئلة بالكلية (١).
فوجه الجمع بين أدلة النهي عن طلب الإمارة وبين طلب يوسف - عليه السلام - الولاية: أن الولاية إذا تعينت على شخص لعدم صلاحية غيره لها ولم يقدمه غيرُه لها؛ فالحاجة داعية إلى طلبها، فعند ذلك يجوز وربما وجب عليه طلبُها إذا لم يكن هناك سبيل إلى تولية القوى الأمين إلا بذلك، والمجتمع الإسلامي الأصل فيه أن العلم والعمل هما اللذان يبرزان الكفاءات حتى يقدمها أهل الحل والعقد، ويوسف - عليه السلام - لم يكن في هذا المجتمع المسلم، ولا يوجد مَنْ يقدمه؛ ولذا طلب الولاية، فلا ينبغي اعتماد هذا دليلًا على مشروعية نظام الترشيح والانتخاب الغربي في بلاد الإسلام؛ هذا النظام الذي يقوم على ذكر حسنات النفس وتزكيتها، وعيب الآخرين ونقصهم، ولا شك أن هذه الصورة ليست هي الصورة الصحيحة، ولا عرفها المسلمون عبر عصورهم المختلفة، فلا يجوز أن يُقال: إن الديمقراطية هي الشورى في الإسلام خصوصًا أن مردَّ الأمر عندهم إلى العامة والدهماء ممن لا يعرف صفات الولاة الواجبة ومَنْ يستحقها.
وإنما يعتمدون على العصبيات، والقرابات، والمصالح، والأموال؛ فما أقبحها من صورة تضع فيها الأمانات، ويوسد فيها الأمر إلى غير أهله! فلو اضطر بعض المسلمين إلى