كانت أخف علينا من الخمس، وقد خفف الله تعالى عن المسافر فجعلها ركعتين وعن الخائف فجعلها ركعة واحدة، ولو شاء ألا يكلفنا صلاة أصلًا لكان أخف بلا شك.
وقد نص الله تعالى في الصلاة على أنها كبيرة إلا على الخاشعين، ولا يشك ذو عقل وحس أن صيام شهر أخف من صيام عام، وأن صيام ساعة أخف من صيام يوم، فكل ما كلفنا الله تعالى فهو يسر وتخفيف بالإضافة إلى ما هو أشد مما حمله من كان قبلنا، كما قال الله تعالى آمرا لنا أن ندعوه فنقول:{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}.
وكما نص تعالى أنه وضع بنبيه - صلى الله عليه وسلم - الإصر الذي كان عليهم، والأغلال التي كانوا يطوقونها، إذ يقول تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}[الأعراف: ١٥٧]، فهذا هو عين اليسر وعين التخفيف وإسقاط الحرج، وأين يقع ما كلفناه نحن مما كلفه بعض قوم موسى، من قتل أنفسهم بأيديهم، فكل شيء كلفناه يهون عند هذا، وكذلك ما في شرائع اليهود من أنه من خطر على ميت تنجس يوما إلى الليل، وسائر الثقائل التي كلفوا وحرم عليهم، وخفف عنا ذلك كله. ولله الحمد والمنة.
وأما قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}؛ فإنما معناه بخير منها لكم، وكلام الله لا يتفاضل في ذاته، فمعناه أكثر أجرًا.
ولو احتج بهذه الآية من يستجيز أن يقول: لا ننسخ الأخف إلا بالأثقل لكنا أقوى شغبًا ممن خالفه، لأنه لا خلاف أن الأثقل فاعله أعظم أجرًا، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة في العمرة: هي على قدر نصبك ونفقتك، كانت الناسخة أعظم أجرًا، فلا يكون ذلك إلا لثقلها، فهذه الآية عليهم لا لهم فسقط احتجاجهم بكل ما شغبوا به.