للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه؛ لأنها لم تأت في القرآن. ونحن نؤمن بالجميع ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد (١).

وقال القاضي أبو يعلى: والوجه فيه: أنه ليس في حمله على ظاهره، ما يزيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه، لأننا نطلق تسمية الصورة عليه، لا كالصور، كما أطلقنا تسمية: ذات، ونفس، لا كالذوات والنفوس (٢).

وقد جاءت عدة أحاديث صحيحة في إثبات الصورة لله تعالى غير ما تقدم، ومن ذلك ما يلي:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَال: قَال أُناسٌ يَا رَسولَ الله هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَال: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالوا: لَا يَا رَسولَ الله. قَال: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قَالوا: لَا يَا رَسولَ الله. قَال: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ. يَجْمَعُ الله النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شيئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمْ الله فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أنا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِالله مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أتانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمْ الله فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنا رَبُّكُمْ، فَيَقُوُلونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ (٣).

قال ابن حجر: المعْنَى: يَأْتِيهِمْ الله بِصورَةِ - أَيْ بِصِفَةٍ - تَظْهَر لهمْ مِن الصُّوَر المخْلُوقَة الَّتِي لَا تُشْبِهُ صِفَة الْإِلَه لِيَخْتَبِرَهُمْ بِذَلِكَ، فَإِذَا قَال لَهُمْ هَذَا الملَك: أنا رَبّكُمْ وَرَأَوْا عَلَيْهِ مِنْ عَلَامَة المَخْلُوقِينَ مَا يَعْلَمُونَ بِهِ أنَّهُ لَيْسَ رَبَّهُمْ اِسْتَعَاذُوا مِنْهُ لِذَلِكَ (٤).

وقال النووى: فَالمُرَاد بِالصُّورَةِ هُنَا الصِّفَة، وَمَعْنَاهُ: فَيَتَجَلَّى الله سُبْحَانه وَتَعَالى لهُمْ عَلَى الصِّفَة الَّتِي يَعْلَمُونَهَا وَيَعْرِفُونَهُ بِهَا، وَإِنَّما عَرَفُوهُ بِصِفَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَقَدَّمَتْ لهُمْ رُؤْيَة لَهُ


(١) تأويل مختلف الحديث (١/ ٢٢١).
(٢) إبطال التأويلات (١/ ٨١).
(٣) البخاري (٦٥٧٣، ٧٤٣٧، ٧٤٣٩)، مسلم (٢١٨٢، ٢٩٦٨).
(٤) فتح الباري (١١/ ٤٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>