للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن تيمية: فَقَدْ لَعَنَ كَاتِمَهُ - يعني كاتم العلم - وَأَخْبَرَ أَنَّهُ بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ، فكَيْفَ يَكُونُ قَدْ بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ وَهُوَ قَدْ كَتَمَ الْحَقَّ وَأَخْفَاهُ وَأَظْهَرَ خِلَافَ مَا أَبْطَنَ؟ فَلَوْ سَكَتَ عَنْ بَيَانِ الْحَقِّ كَانَ كَاتِمًا، وَمَنْ نَسَبَ الْأَنْبِيَاءَ إلَى الْكَذِبِ وَالْكِتْمَانِ مَعَ كَوْنِهِ يَقُولُ: إنَّهُمْ أنبِيَاءُ فَهُوَ مِنْ أَشَرِّ الْمُنَافِقِينَ وَأَخْبَثِهِمْ وَأَبْيَنِهِمْ تَنَاقُضًا (١).

وقال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)} [القمر: ١٧].

قال ابن القيم: تيسيره للذكر يتضمن أنواعًا من التيسير:

إحداها: تيسير ألفاظه للحفظ.

الثاني: تيسير معانيه للفهم.

الثالث: تيسير أوامره ونواهيه للامتثال.

ومعلوم أنه لو كان بألفاظ لا يفهمها المخاطب لم يكن ميسرًا له؛ بل كان معسرًا عليه فهكذا إذا أريد من المخاطب أن يفهم من ألفاظه ما لا يدل عليه من المعاني، أو يدل على خلافه فهذا من أشد التعسير وهو مناف للتيسير (٢).

ومن أدلة السنة على أن الأصل في النصوص حملها على ظاهرها:

قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ: "ترَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ" (٣).

والبيضاء: الحجة الظاهرة القوية التي لا لبس فيها ولا اشتباه (٤).

وقوله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: "قد ترَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ


(١) مجموع الفتاوى (١٢/ ٢٦٥).
(٢) الصواعق (١/ ٣٣١: ٣٣٢).
(٣) ابن ماجة (٤٣) بلفظ (إلا هلك)، مسند أحمد (٤/ ١٢٦)، الحاكم (٣٣١)، وصححه الألباني في الصحيحة (٩٣٧)، صحيح ابن ماجة (٤١).
(٤) لسان العرب: مادة بيض (١/ ٣٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>