للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر الثاني: إن كون الاتصاف بهذه الصفات مذموم ليس على الإطلاق، لأن هذه الصفات ونحوها لها حالتان:

الحالة الأولى: يكون الاتصاف بها مذمومًا وهو إذا ما تضمن ذلك الظلم والكذب والغش ونحوها.

الحالة الثانية: يكون الاتصاف بها محمودًا وهو ما كان بحقٍ وعدلٍ ومجازاةٍ، فمن مكر بظلم فيحسن أن يمكر به بحقٍ وبعدلٍ.

فمثل هذه الصفات ليست كمالًا على الإطلاق، وليست نقصًا على الإطلاق؛ بل فيها تفصيل، ومثلها يرد إطلاقها على الله سبحانه في حالة كونها كمالا وهي التي تكون على سبيل المقابلة، لذلك فليس من أسمائه سبحانه (المستهزئ) ولا (الماكر) ولا (الكائد) ونحوها؛ لأنَّها ليست محمودة على الإطلاق، والله سبحانه لم يصف نفسه بها إلا على وجه المقابلة والجزاء لمن فعل ذلك بغير وجه حق. (١)

قال ابن القيم: عن صفات المكر والخداع والكيد والاستهزاء ونحوها -: (لا ريب أن هذه المعاني يذم بها كثيرًا، فيقال: فلان صاحب مكر وخداع وكيد واستهزاء، ولا تكاد تطلق على سبيل المدح بخلاف أضدادها، وهذا هو الذي غر من جعلها مجازًا في حق من يتعالى ويتقدس عن كل عيبٍ وذم.

والصواب: أنَّ معانيها تنقسم إلى محمود ومذموم، فالمذموم منها يرجع إلى الظلم والكذب، فما يذم منها إنما لكونه متضمنًا للكذب والظلم أو لهما جميعًا، وهذا هو الذي ذمه الله تعالى لأهله ... فلما كان غالب استعمال هذه الألفاظ في المعاني المذمومة ظن المعطلون أن ذلك هو حقيقتها، فإذا أطلقت لغير الذم كان مجازًا، والحق خلاف هذا الظن، وأنها منقسمة إلى محمود ومذموم، فما كان منها متضمنًا للكذب والظلم فهو مذموم، وما كان


(١) الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام ص ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>