فإذا كان الهدوء شيء ممدوح فالمكر شيء ممدوح، وإذا كان المكر مذموم فالهدوء مذموم، وبذلك قد خالفتم الفطرة والعقل.
وفي حق الرب:
جاء في سفر أرمياء (٩: ٦): مَسْكَنُكَ فِي وَسْطِ الْمَكْرِ. بِالْمَكْرِ أَبَوْا أَنْ يَعْرِفُونِي، يَقُولُ الرَّبُّ. فهذا الرب يأمر بالمكر، فهل يقصد المكر المذموم وهو خديعة أهل الحق للإيقاع بهم في شر؟ أم يقصد إمهال أهل الباطل حتى يقعوا في شرهم الذي نصبوه لغيرهم؟
فإذا كان الأول: فلما تعيبون على غيركم؟
وإذا كان الثاني! فلم يكون الكيل بمكيالين؟ ! تحملون كلامكم على الوجه الحسن وكلامنا على الوجه السيئ.! !
ونجد المكر والخديعة بصورة أخرى للرب عند النصاري:
ونجدها في الرسالة الثانية إلى تسالونكي ٢) ٢: ١١: ) "وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلَالِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ"(وفي سفر حزقيال ١٤: ٩): "فَإِذَا ضَلَّ النَبِيُّ وَتَكَلَّمَ كَلَامًا، فَأَنَا الرَّبُّ قَدْ أَضْلَلْتُ ذلِكَ النَّبِيَّ."
وهل يجوز للرب أن يرسل عمل الضلال على أساس أنه الحق ليصدقوا الضلال؟ أم أن الله تعالى في شرعه إلى الخلق يبين لهم الهدى من الضلال فمن سار في الضلال فبإرادته سلك الطريق، ومن سلك طريق الضلال فبإرادته سلك الطريق؟ هذا هو الحق؛ أم كون الله تعالى يظهر الضلال في صورة الهدى ليضل الناس! فهذا ليس برب ناصح لعباده. وهل يضل الله النبي الذي اصطفاه من خلقه ليكون إمامًا وقدوة للناس؟ ! كيف يكون ذلك، والأصل أن الأنبياء يجب أن يكونوا على جانب كبير من الهدى والحق.
ولذلك جاء في القرآن أن الله تعالى يملك الهداية والضلال، فيضل من عباده من علم الله فيه أنه يسلك طريق الضلال، ويهدي من عباده من علم فيه أنه يسلك طريق الهداية فقال سبحانه:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النحل: ١٢٥].