للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد أنهم يملون الشر وهو لا يمله. (١)

قال أبو إسحاق الحربي: قوله: "لا يَمَلُّ الله حتى تملوا": أخبرنا سلمة عن الفراء؛ يقال: مللت أمَلُّ: ضجرت، وقال أبو زيد: ملَّ يَمَلُّ ملالة، وأمللته إملالًا، فكأنَّ المعنى لا يملُّ من ثواب أعمالكم حتى تملُّوا من العمل. (٢)

قلت: وهذا ليس تأويلًا، بل تفسير الحديث على ظاهره.

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم: "فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا": من نصوص الصفات، وهذا على وجه يليق بالباري، لا نقص فيه، كنصوص الاستهزاء والخداع فيما يتبادر. (٣)

وقال الشيخ ابن عثيمين: هل نستطيع أن نثبت صفة الملل والهرولة لله تعالى؟ فأجاب: "جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملوا".

فمن العلماء من قال: إنَّ هذا دليل على إثبات الملل لله، لكن، ملل الله ليس كملل المخلوق، إذ إنَّ ملل المخلوق نقص؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله، فهو كمال وليس فيه نقص، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالا.

ومن العلماء من يقول: إنَّ قوله: "لا يَمَلُّ حتى تملوا"؛ يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل، فإنَّ الله يجازيك عليه؛ فاعمل ما بدا لك، فإنَّ الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل، وعلى هذا، فيكون المراد بالملل لازم الملل.

ومنهم من قال: إنَّ هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقًا؛ لأنَّ قول القائل: لا أقوم حتى تقوم، لا يستلزم قيام الثاني، وهذا أيضًا: "لا يمل حتى تملوا"، لا يستلزم ثبوت الملل لله -عَزَّ وَجَلَّ-.


(١) تأويل مختلف الحديث ص ٣٤٩، ٣٥٠.
(٢) غريب الحديث ١/ ٣٣٨.
(٣) الفتاوى والرسائل ١/ ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>