للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال: من جهة الأولين لا نسلم أن من حمل العرش يجب أن يحمل ما فوقه إلا أن يكون ما فوقه معتمدًا عليه، وإلا فالهواء والطير وغير ذلك مما هو فوق السقف ليس محمولًا لما يحمل السقف، وكذلك السماوات فوق الأرض وليست الأرض حاملة السماوات، وكل سماء فوقها سماء وليست السفلى حاملة للعليا، فإذا لم يجب في المخلوقات أن يكون الشيء حاملًا لما فوقه، بل قد يكون وقد لا يكون، لم يلزم أن يكون العرش حاملًا للرب تعالى إلا بحجة تبين ذلك، وإذا لم يكن العرش حاملًا لم يكن حملة العرش حاملة لما فوقه بطريق الأولى.

الوجه الثاني: أنَّ الطائفة الأخرى تمنع المقدمة الثانية، فيقولون: لا نسلم أن العرش وحملته إذا كانوا حاملين لله لزم أن يكون الله محتاجًا إليهم، فإن الله هو الذي يخلقهم ويخلق قواهم وأفعالهم فلا يحملونه إلا بقدرته ومعونته، كما لا يفعلون شيئًا من الأفعال إلا بذلك، فلا يحمل في الحقيقة نفسه إلا نفسه، كما أنه سبحانه إذا دعاه عباده فأجابهم وهو سبحانه الذي خلقهم وخلق دعاءهم وأفعالهم؛ فهو المجيب لما خلقه وأعان عليه من الأفعال، وكذلك إذا فرح بتوبة التائب من عباده، أو غضب من معاصيهم، وغير ذلك مما فيه إثبات نوع تحول عن أفعال عباده، فإن هذا يقوله كثير من أهل الكلام مع موافقة جمهور أهل الحديث وغيرهم فيه مقامان مشكلان:

أحدهما: مسألة حلول الحوادث.

والثانية: تأثير المخلوق فيه.

وجواب المسألة الأولى مذكور في غير هذا الموضع.

وجواب السؤال الثاني:

أنه لا خالق، ولا بارئ، ولا مصور، ولا مدبر لأمر الأرض والسماء إلا هو فلا حول ولا قوة إلا به، وكل ما في عباده من حول وقوة فبه هو سبحانه فيعود الأمر إلى أنه هو المتصرف بنفسه سبحانه وتعالى الغني عما سواه.

<<  <  ج: ص:  >  >>