هذا وقد تقدم إليهم المسيح بأنه عبد الله ورسوله، وكان أول كلمة نطق بها وهو صغير في المهد أن قال: {قَال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)} ولم يقل: أنَّا الله، ولا ابن الله. بل قال: {قَال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)} إلى أن قال: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦)} (مريم: ٣٥ - ٣٦). وكذلك قال لهم في حال كهولته ونبوته، آمرًا لهم بعبادة الله ربه وربهم وحده لا شريك له؛ ولهذا قال تعالى:{وَقَال الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ} أي: فيعبد معه غيره {فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}[المائدة: ٧٢] أي: فقد أوجب له النار، وحرم عليه الجَنَّة، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}(النساء: ٤٨، ١١٦). (١)
قال ابن كثير:({أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} أي: كيف يكون له ولد، ولم تكن له صاحبة؟ أي: والولد إنما يكون متولدا عن شيئين متناسبين، والله لا يناسبه ولا يشابهه شيء من خلقه؛ لأنه خالق كل شيء، فلا صاحبة له ولا ولد، كما قال تعالى: {وَقَالوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَال هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا