للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم إلى النار عدلًا منه، وكل يعمل لما قد فرغ له، وصائر إلى ما خلق له، والخير والشر مقدران على العباد.

قال ابن أبي العز: قوله: "إن الجنة والنار مخلوقتان" اتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل على ذلك أهل السنة، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية، فأنكرت ذلك، وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة! ! وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا! ! وقاسوه على خلقه في أفعالهم، فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التجهم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة! وقالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبث! لأنها تصير معطلة مددًا متطاولة! ! فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى، وحرفوا النصوص عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم. (١)

والأدلة على ذلك منها:

قوله تعالى عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.

وقوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥)}.

وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- سدرة المنتهى، ورأى عندها جنة المأوى. كما في الصحيحين، من حديث أنس -رضي الله عنه-، في قصة الإسراء، وفي آخره "ثُمَّ انْطَلق بِي حَتَى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْر المنتهَى وَغَشِيَهَا أَلوَان لَا أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجنةَ فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ وإِذَا ترابُهَا المسْكُ ... " (٢)

عَنْ أَنسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَال: "الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ في قَبر، وَتُوُلِّىَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالهِمْ، أَتاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ في هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ


(١) شرح العقيدة الطحاوية ١/ ٤٢٠.
(٢) البخاري (٣٤٩)، مسلم (١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>