وقد قال تعالى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)} [الرحمن: ٤٦] فذكرهما ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (٦٢)} [الرحمن: ٦٢] فهذه أربعٌ، وقد اختلف في قوله "ومن دونهما" هل المراد به أنهما فوقهما أو تحتهما، على قولين:
فقالت طائفة: من دونهما أي: أقرب منهما إلى العرش فيكونان فوقهما.
وقالت طائفة: بل معنى من دونهما: تحتهما، قالوا: وهذا المنقول في لغة العرب، إذا قالوا: هذا دون هذا أي: دونه في المنزلة، كما قال بعضهم لمن بالغ في مدحه: أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك، وفي الصحاح: دون نقيض فوق، وهو تقصير عن الغاية ثم قال: ويقال: هذا دون هذا أي أقرب منه، والسياق يدل على تفضيل الجنتين الأوليين من عشرة أوجه.
أحدها: قوله {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (٤٨)} [الرحمن: ٤٨] وفيه قولان: أحدهما: أنه جمع فنن وهو الغصن، والثاني: أنه جمع فن وهو الصنف أي ذواتا أصناف شتى من الفواكه وغيرها ولم يذكر ذلك في اللتين بعدهما.
الثاني: قوله {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (٥٠)} [الرحمن: ٥٠] وفي الأخريين {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (٦٦)} (الرحمن: ٦٦) والنضاخة هي الفوارة والجارية السارحة وهي أحسن من الفوارة فإنها تتضمن الفوران والجريان.
الثالث: أنه قال: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (٥٢)} [الرحمن: ٥٢] وفي الأخريين {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨)} [الرحمن: ٦٨] ولا ريب أن وصف الأوليين أكمل.
الرابع: أنه قال: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}(الرحمن: ٥٤) وهذا تنبيه على فضل الظهائر وخطرها وفي الأخريين قال {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (٧٦)} [الرحمن: ٧٦] وفسر الرفرف بالمحابس والبسط وفسر بالفرش وفسر بالمحابس فوقها وعلى كل قول فلم يصفه بما وصف به فرش الجنتين الأوليين.