للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تكاثرت الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الظلم، وتقبيحه، وبيان آثاره الوخيمة في الآخرة والأولى، وجاءت أحاديث خاصة تحذر من ظلم غير المسلمين من أهل العهد والذمة.

يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من ظلم معاهدًا، أو انتقصه حقًّا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة" (١).

وفي عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل نجران أنه: "لا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر" (٢).

ولهذا كله اشتدت عناية المسلمين منذ عهد الخلفاء الراشدين بدفع الظلم عن أهل الذمة، وكف الأذى عنهم، والتحقيق في كل شكوى تأتي من قبلهم.

كان عمر - رضي الله عنه - يسأل الوافدين عليه من الأقاليم عن حال أهل الذمة خشية أن يكون أحد من المسلمين قد أفضى إليهم بأذى، فيقولون له: (ما نعلم إلا وفاء) (٣)، أي: بمقتضى العهد والعقد الذي بينهم وبين المسلمين، وهذا يقتضي أن كلا من الطرفين وفَّى بما عليه.

وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول: إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا (٤).

وفقهاء المسلمين من كافة المذاهب الاجتهادية صرحوا وأكدوا بأن على المسلمين دفع الظلم عن أهل الذمة، والمحافظة عليهم؛ لأن المسلمين حين أعطوهم الذمة قد التزموا دفع الظلم عنهم، وهم صاروا به من أهل دار الإسلام؛ بل صرح بعضهم بأن ظلم الذمي أشد من ظلم المسلم إثمًا (٥).


(١) رواه أبو داود (٣٠٥٢)، والبيهقي في السنن الكبرى ٩/ ٢٠٥، وصححه الألباني في الصحيحة (٤٤٥).
(٢) رواه أبو يوسف في الخراج صـ ٧٢ - ٧٣.
(٣) تاريخ الطبري ٤/ ٢١٨.
(٤) المغني ٨/ ٤٤٥، البدائع ٧/ ١١١، نقلًا عن: أحكام الذميين والمستأمنين صـ ٨٩.
(٥) ذكر ذلك ابن عابدين في حاشيته، وهو مبني على أن الذمي في دار الإسلام أضعف شوكة عادة، وبظلم القوي للضعيف أعظم في الإثم.

<<  <  ج: ص:  >  >>