للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى له الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ويستحيل في حقه خلاف ذلك، فإن أثر هذا الكمال يظهر فيما يشرّعه من أحكام ومناهج وقواعد، وبالتالي لا بد أن يكون كاملًا. وهذا بخلاف ما يصنعه الإنسان ويشرّعه فإنه لا ينفك عن معاني النقص والهوى والجهل والجور؛ لأن هذه المعاني لاصقةٌ بالبشر ويستحيل تجردهم عنها كل التجرد، وبالتالي تظهر هذه النقائص في القوانين والشرائع التي يصنعونها.

ويكفينا هنا أن نذكر مثالًا واحدًا للتدليل على ما نقول:

جاء الإسلام بمبدإِ المساواة بين الناس في الحقوق وأمام القانون، بغضِّ النظر عن اختلافهم في الجنس أو اللّغة أو اللّون أو الحرفة أو الغنى أو الفقر، وأقام ميزان التفاضل على أساس التقوى والعمل الصالح. وقد ورد هذا المبدأ العظيم في القرآن والسنة النبوية. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)} [الحجرات: ١٣].

وقد جاء في السنة النبوية ما يقرر هذا المبدأ، فَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لعربي عَلَى أعجمي، وَلَا لعجمي عَلَى عربي، وَلَا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى." (١)

وقال - صلى الله عليه وسلم - "لو أن فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعتُ يدها". (٢)

وبلغت دقّة تطبيق هذا المبدأ إلى حدّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر على مسلم عربيّ قوله لمسلم غير عربي "يا ابن السوداء" واعتبر هذا القول من بقايا الجاهلية الأولى. (٣)

أما عند غير المسلمين من أتباع الديانات الأخرى فالأمر مختلف، وخذ دليلًا على ذلك:


(١) أخرجه أحمد (٥/ ٤١١)، وإسناده صحيح.
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٥٧)، ومسلم (١٦٨٨) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) أخرجه البخاري (٣٠)، ومسلم (١٦٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>