المبعوث بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فكمل الله به الرسالة وهدى به من الضلالة وعلم به من الجهالة وفتح برسالته أعينًا عميًا، وآذانا صمًا، وقلوبًا غلفًا، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت به القلوب بعد شتاتها، فأقام بها الملة العوجاء وأوضح بها المحجة البيضاء، فبين عن طريقه - صلى الله عليه وسلم - الكفر من الإيمان، والربح من الخسران، والهدى من الضلال، وأهل الجنة من أهل النار، والمتقين من الفجار، فهو المبعوث رحمة للعالمين، ومحجة للسالكين وحجة على الخلائق أجمعين. ولقد نوه الله - جل جلاله - في كتابه الكريم بهذه النعمة العظمى التي امتن بها على هذه الأمة في آيات كثيرة - كما أسلفنا - منها: قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: ٢ - ٤].
وإنما كان إرساله - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس أعظم منة امتن بها على عباده؛ لأن في ذلك تخليص من وفقه الله وهداه منهم من العذاب السرمدي، وذلك بسبب الإيمان بالله ورسوله والابتعاد عن كل ما يوجب دخول النار والخلود فيها.
ولذلك فإن الناس أحوج ما يكونون إلى الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والأخذ بما جاء به من الدين فهم أحوج إلى ذلك من الطعام والشراب؛ بل ومن نفس الهواء الذي يتنفسونه، فإنهم متى فقدوا ذلك فالنار جزاء من كذب بالرسول وتولى عن طاعته كما قال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (١٤) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦)} [الليل: ١٤ - ١٦] أي كذب به وتولى عن طاعته، فهم محتاجون إلى الإيمان بالرسول وطاعته، والأخذ بما جاء به والالتزام بذلك في كل مكان وزمان ليلًا ونهارًا، سفرًا وحضرًا، سرًا وعلانية. فاللهم صل وسلم وبارك على هذا النبي الأمي وصحبه أجمعين.